رئيس التحرير
عصام كامل

طشِّة ملوخية!


ما السبب الذي يمنعنى من كتابة مقال عن طشِّة الملوخية؟ لقد قام أحد كبار الكُتَّاب السياسيين مُنذ عقد من الزمان تقريبًا بتسطير مقال عن طشِّة الملوخية هذه، لا أذكُر هل احتوى المقال الذي كان سياسيًا صرفًا يتحدَّث عن صاحب أرفع منصب في البلد وهو رئيس الجمهورية وقتها، هل احتوى على رائحة المحشى أو تتبيلة الكُفتة والبانيه أم لا، لكن المُهم أن طشَّة الملوخية كعنوان للمقال ليست مُصيبة إلى هذا الحَد فيما يبدو، بل ربما تكون سببًا للنجاح أو لفاتحة الخير علينا، وبعدين ما هو العالم كُلَّه بيتكلِّم عن طشِّة الملوخية في برامج الطبيخ اللى مالية الفضائيات، ووصفات الأكل اللى مغرَّقة المواقع، وإعلانات الزيت والسمنة وليِّة الخروف اللى مدهننة التليفزيون مع مُحاكمات قادة الإخوان وزعماءهم جنبًا إلى جنب!


الطشَّة الأولى:

بعض الشباب اللى يفرِح يتداول صورة تم التقاطها من على مدخل بناية بأكتوبر تقريبًا، صاحب العقار يُعلن للسُكان في بيته على ورقة مكتوبة ومُلصقة هناك أنه سيتقاضى من كُلٍ منهم إيجار نصف شهر فقط بمُناسبة شهر رمضان المبارك، هدية جميلة ومُحترمة من رجُل نحسبه كذلك ولله الحمد، فلا نعرفه ولا يعرفنا إذن شُبهة القرع المُباشر مُنتفية هنا تمامًا، طيب عاوز تقول إيه؟ تحب نوصَّل الرسالة دى لصاحب البيت اللى إنت ساكن فيه؟ أبدًا والله عندى أمل تانى خالص!

أملى في ربنا كبير ولا يبعد عن إرادة المولى إنى ألاقى نفس الورقة مكتوبة على باب شقتى أو على باب الحمام بتوقيع زوجتى العزيزة، تُعلن فيها أنه بناءً على دخولنا لأيام روحانية طيبة تُسلسل فيها الشياطين أنها ستتنازل عن نصف حقها من النكد الشهرى وتكتفى بنصفه الآخر فقط، بالنسبة للإيجار فمُمكن ندفعه بالطول أو بالعرض أو بالسلف أو حتى بالسرقة، لكن النكد الذي يستنزف أعصابنا ويحرق دمنا ويفنى عُمرنا دة لا يُمكن أن يُقدَّر بمال، علشان كدة لو قامت الزوجة ـ أي زوجة ـ بتقديم هذه المنحة لزوجها فستكون أجدع من ميت صاحب عقار زى المذكور بعاليه، وهنا ـ اعترف ـ فإن شبهة القرع المُباشر مُثبتة تمامًا ولا أنفيها، بالعكس دة أنا متشعبط فيها، وأملى كبير إنها تجيب نتيجة!

الطشَّة الثانية:
نفس الشباب قام بتكوين حملة لمُكافحة جشع التُجَّار والقصابين والفرارجية، والقصابون هُم الجزارون إن كُنت لا تدرى، والمطلوب هو مُقاطعة اللحمة والفراخ حتى يتم إجبار المذكورين على تخفيض الأسعار شويّتين تلاتة، ومن وجهة نظرى المتواضع فلا يُمكن صناعة الملوخية بدون لحمة أو فراخ، عن نفسى لا أطيق الأرانب ومعرفش حتى أسعارها، لكن بينى وبينَك فالموضوع بالنسبة لى تمثيلى بَحت خاصةً بعدما قُلت لبعض هؤلاء المُقاطعين إننى مُتقاطع معهم قصدى متعاطف معهم ومع حملتهم!

الكدب خيبة فقد تمنيت أن أقاطع اللحمة والفراخ، لكن اللى سَبَق أكل النبِق، وقد سبقانى هُما بالمُقاطعة مُنذ سنوات فقاطعانى، وأكاد أطاردهما خلال العزومات النادرة من ولاد الحلال وفاعلى الخير ما بين حين وآخر، وما دون ذلك فالمظهر أو على رأى (كاظم الساهر) البهرج الخدَّاع جعلنى هدفًا لتلك الحملات الشبابية المُتحمِّسة لكنى لن أنساق مُندفعًا خلف الحملة بقوة، لكنى سأسايرها مظهريًا على طريقة يا واش يا واش، إذ ربما يواجهنى عِرق بتلو عَفى أو دبوسة فرخة هَبَر وأنا أهتف مع الهاتفين وأركض مع الراكضين وأكر مع الكارين دون أن أفر مع الفارين ليسألنى إنت آخر مرَّة دخلت محل جزارة إمتى، أو قُمت بزيارة فرارجى سنة كام، فيتحوَّل الصيَّاد إلى فريسة، ولمين يا حسرة؟ لذوات الأربع والأذيال والكوكو كوكو؟ استرها علينا يا رب!

الطشَّة الثالثة:

(وائل الإبراشى) يستضيف (أحمد شوبير) و(أحمد الطيب)، ثنائى إعلامي قضى الواحد منهما ـ خاصةً الأول ـ أمام الشاشات والميكروفونات أعوامًا أكثر من التي قضاها على السفرة أو على القهوة أو قُدَّام مراية التسريحة، مُشادة كلامية بينهما مثلما اعتدنا في برنامج (الإبراشى)، لو لم نشهد في العاشرة مساءً مشاهد المُشادات والتقطيع في أخلاق وسيرة وأهل كُل طرف من الطرفين لمدة أربع حلقات أسبوعيًا من أصل خمس، لفقد البرنامج رونقه وبرستيچه، لذا فمن الطبيعى أن يكذب أحدهما وأن يقسم الآخر بالطلاق، رغم أن هذا الأمر بعيد تمامًا عن مَن قضى عُمره على الهواء مُباشرةً وهو يتنقَّل بين ميكروفون الإذاعة لكاميرا البرنامج لاستوديو التحليل، لدرجة إنه مُمكن يعمل بث مُباشر لعدد ساعات نومه، ويجيب له رُعاة كمان لوضع إعلانات مراتب وأكياس مخدات ونجف بنوُّر لسيد العرسان!

يهيج أحد الضيوف ويقوم بالاعتداء بالضرب على الآخر بعد مُشادة كلامية بينهما، لو كُل ضيف في برنامج (الإبراشى) دخل في مُشادة مع الضيف الآخر أتبعها بضربه، لكانت البلد كُلها هاتبات في القسم لا مؤاخذة، وهذا ما لم يحدُث من مجرمين وأرباب سوابق ومجانين استضافهم (وائل) في برنامجه سابقًا، لكن حدث من إعلامي مُحترف داوش دماغنا بالمهنية والأدب والأخلاق طول عُمره، وحتى لو كان الطرف الآخر مُستفزًا لأقصى درجة وهو في الحقيقة كذلك فعلًا طول عمره أيضًا، فلا يُمكن أن تصل الأمور لهذا المستوى ثم يعقبها قرارات ساذجة زى إيقاف الثلاثى ومنعهم من الظهور لمدة أسبوع!

مُقدِّم البرنامج لم يطلُب من أحدهما الاعتداء على الآخر بالضرب، واللى انضرب مينفعش يتساوى باللى ضرب، ومَن كانت مهنته مُرتبطة بالظهور على الهواء فخان الهواء وارتكب حماقة لا يُمكن أن تمُر مرور الكرام ولا حتى اللئام فالواجب ذبحه لا عقابه فقط، لا أن تخضع الأمور للمُجاملات والتربيطات ويتم عقاب المُذيع بسبب حماقة ضيف لا يُمكن أن يتخيَّلها أحد، أو يتم عقاب الطرف المضروب لأنه انضرب، يعنى ينضرب ويتحرم من الظهور كمان على طريقة موت وخراب ديار؟!

وكيف يُذبَح (شوبير) بسبب جُرمُه ووصمة العار التي لن تُمحى من تاريخ النايل سات؟ بسيطة.. نحرمه من الظهور على الشاشات لشهر واحد فقط، وخلال هذا الشهر يتم الحُكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لا بتقطيع الحجارة أو حرمانه من اللحمة والفراخ زى حالاتنا، لكن بإجباره على مُشاهدة كُل حلقاته التي ظهر فيها كمقدم أو حل على الشاشة أمام الكاميرا كضيف، أعرف أن جمعيات حقوق الإنسان الشوبيرى سترفُض هذا رفضًا باتًا تحت ادعاء أنه لا يستحق هذه القسوة في المُعاملة، لكن هذا هو السبيل الوحيد لإقناع الإعلامي الشهير بأن طبَّاخ السِم لازم يدوقه علشان يبطَّل للأبد يطبُخ ويسممنا إحنا!
الجريدة الرسمية