رئيس التحرير
عصام كامل

«العصفورة» التي لا تملكها الدولة


يجلس متكئًا يتابع الأحداث، يحك جبينه بإصبع يديه ثم ينظر ناحية الشباك، يبدأ في ربط الأحداث ببعضها، اتفاقية ثم أزمة نقابة الصحفيين فواقعة الطائرة وقضية رشوة وزارة الصحة، وأخيرًا معركة الطيب مع شوبير وسحل سيدة قرية الكرم بالمنيا.


تلمع عيناه ويخطو نحو «اللاب توب» الخاص به بخطى ثابتة، الجماهير تنتظر ماذا سيقول، الجميع في انتظار ما تفتق عنه هذا الذهن النشط، يدرك هو ذلك، بحروف ثابتة يكتب كلمتين فقط: «بص العصفورة».

ونظرية «بص العصفورة» في الوجدان المصري تعني أن تلك الأزمات مصطنعة من أجل ابتلاع أزمة أخرى، والأمر له أساس علمي يتمثل في استراتيجية تغيير اهتمامات الرأي العام، وهي نظرية يتم دراستها في كليات الإعلام، وتقوم على أساس إذا كان هناك أزمة فاصنع أزمة أخرى، ولأن آفة حارتنا النسيان.. ستجد الأزمة الأولى قد اختفت وهلم جرا.

تلك النظرية وإن كانت لها وجاهتها وأساسها العلمي، لكنها من ناحية أخرى حولت الكثيرين ممن يعتقدون فيها إلى اعتبار أن كل الأحداث صنيعة السلطة والحقيقة أن كل الأحداث المتلاحقة هي نتيجة إدارة السلطة لا أكثر.

يمكن استخدام نظرية «بص العصفورة» في تلك الدول القادرة على إدارة كل أزمة، واستخدامها في الغالب يكون محدودًا، وعلى فترات متباعدة، وتلجأ الدول إليها في مشكلات كبرى، أما في مصر فلا يمكن تطبيق هذا النموذج.

في أحد الأفلام الوثائقية التي تناولت قضية مقتل الرئيس السادات، وبعد عدة آراء من شخصيات عاصرت الحادثة وأرجحتها إلى المؤامرات الخارجية وطمع مبارك، بجانب أسئلة كثيرة عن غياب الحرس الرئاسي في وقت احتفال نصر أكتوبر، كان رد المؤرخ عبد العظيم رمضان هو الأصح من وجهة نظري.

ويقول «رمضان» عن حادثة مقتل السادات، إن الأمر مصري بحت، وليس له علاقة بأي مؤامرات، وحين تم سؤاله: وكيف غاب الحرس الرئاسي؟ كان رده: «الدولة الفاشلة يحصل فيها أكتر من كدة، ونظام السادات فشل في آخر أيامه وبالتالي كل شيء ممكن» ثم أكمل حديثه: «الوضع في مصر قبل الاغتيال كان مؤهلًا لتلك الحادثة»، وبمجرد قراءة بسيطة في تلك الحادثة وإدراك كيفية عدم استطاعة أحد الضباط برتبة مقدم الوصول إلى العرض وإبلاغ الكارثة قبل وقوعها تدرك ماذا اعترى تلك الدولة من الفشل.

ما يقوله عبد العظيم رمضان يمكن تطبيقه على ما يحدث في مصر بكل أريحية، فلا هناك عصفورة تملك السلطة توجيه النظر إليها بشكل دائم، الحقيقة أن غياب الرؤية وعدم تقدير المواقف جيدًا والحكم على طريقة «مش عاوز أسمع صوت» هو بمثابة ضوء أخضر لكل ما يحدث.

عزيزي المواطن لا تمنحهم قيمة أكبر من حجمهم، ولا منزلة لا يستحقونها، ربما كنت أتمنى أنا أن يكون هناك عصفورة فمن يملك التوجيه يملك الإدارة، ونحن أمام إدارة لا تملك الاثنين.
الجريدة الرسمية