رئيس التحرير
عصام كامل

غول الأسعار يلتهم الفقراء..والحكومة عاجزة!!


تعد المشكلات الاقتصادية أحد أهم تداعيات ثورة 25 يناير 2011، والتي سبقها ومنذ العام 2008 أكبر إضرابات فئوية في تاريخ مصر، وكانت هذه الإضرابات والتظاهرات الفئوية مؤشرا على عدم رضا قطاعات واسعة من المصريين عن السياسات الاقتصادية التي انتهجتها حكومات الحزب الوطنى المتتالية، والتي جسدت في مجملها رؤية نظام مبارك المتحيزة للأغنياء على حساب الفقراء، وهو ما أدى إلى زيادة رهيبة في عملية الفرز الاجتماعي حيث الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا.


وفى هذا الإطار سجلت مؤشرات الفقر في مصر ووفقا للتقارير الدولية-تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2010 - أكبر نسبة للفقر ، حيث بلغت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر 41% أقل من 2 دولار في اليوم، هذا بخلاف ما يتراوح بين 23 و25 % يعيشون في حزام الفقر، ومهددون بالسقوط تحت خط الفقر في أي وقت، ورغم ذلك لم يهتم مبارك ونظامه بالإضرابات والتظاهرات التي خرجت معترضة على تدهور مستويات معيشتهم، وبدلا من تغيير السياسات وإحداث عدالة اجتماعية حقيقية في ظل إعلان نظام مبارك أن عملية النمو في الاقتصاد الوطنى وصلت لأعلى معدلاتها 7% ، لكن عائد عملية النمو لم يكن يعود على الشعب المصري بل يذهب لجيوب فئة محدودة من رجال الأعمال المقربين من دائرة صنع القرار، وفى هذا الإطار قام بقمع الإضرابات والتظاهرات الفئوية بواسطة أجهزته الأمنية، مما أدى في النهاية للطوفان الذي أطاح به وحكومته من سدة الحكم ولو مؤقتا.

وعندما خرج الشعب المصرى الغاضب في 25 يناير كان على وعي تام بمطالبه وما يريده من النظام، وتجسدت هذه المطالب في شعار شديد الدقة وهو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهو ما يعنى أن المعاناة الاقتصادية وغلاء الأسعار وعدم قدرة المواطنين على الوفاء بمتطلبات العيش الأساسية كانت في المقدمة، وبالطبع تعد غياب العدالة الاجتماعية في ظل مجتمع يمتلك ثروات حقيقية ظاهرة هي المطلب الذي يأتى ملتصقا بالمطلب الأول، ويأتى معهما المطلب الخاص بالحرية، لأنهم حين كانوا يطالبون بحقهم الطبيعى في العيش والعدالة الاجتماعية كانوا يقابلون بالقمع.

وبعد الثورة ظن الفقراء والكادحون أن مطالبهم وأحلامهم قد أصبحت قيد التحقيق لكنهم ومنذ 11 فبراير 2011 وحتى الآن يعيشون في كابوس كبير، فقد أقسم مبارك ورجاله أن ينتقموا من الشعب المصري الذي ثار عليهم، وبالفعل عندما تتأمل ما حدث للمواطن المصرى الفقير سوف تتأكد أنه تجسيد لأشد وأقسى أنواع الانتقام، فقد تركته الحكومات المتتالية بعد 25 يناير فريسة سهلة ولقمة صائغة لآليات السوق نفس الآليات التي أفقرته وأزلته خلال الثلاثين عاما التي حكمها مبارك، بل ويسبقها عدة سنوات في حكم السادات الذي أعلن عن انتهاجه لهذه السياسات بعد حرب أكتوبر 1973، وفى ظل حكم المجلس العسكري تم إطلاق غول الأسعار ليلتهم الفقراء، وهو يعلن ومعه حكومته العاجزة أننا في مرحلة انتقالية، وعندما تستقر الأوضاع سوف يشعر الفقراء بتحسن في أحوال معيشتهم.

وقام المجلس العسكري بتسليم السلطة لجماعة الإخوان الإرهابية التي سارت على نفس النهج، وتركت المواطن فريسة لغول الأسعار ليلتهم المزيد من الفقراء، وأكدت الجماعة أنها مؤمنة بآليات السوق وكانت تحلم بأن يحل رجالها محل رجال مبارك المسيطرين على مقدرات الاقتصاد الوطنى، لكن فشلت مساعيهم حيث لم يحتمل الفقراء الضغط الرهيب عليهم بواسطة غول الأسعار الذي يلتهم كل يوم الكثير منهم، هذا إلى جانب المشكلات والأزمات اليومية المفتعلة من قبل رجال مبارك، فخرجوا ثائرين عليهم وأطاحوا بهم من سدة الحكم، ليعود رجال مبارك ولكن بثوب جديد، حيث تم الدفع بصبيانهم من الصفوف الخلفية للحزب الوطنى ولجنة السياسات ليتولوا الحقائب الوزارية، لذلك لا عجب أن تجد وزير المالية الحالى كان أمين صندوق جمعية جيل المستقبل التي كان يرأسها جمال مبارك، ولا عجب أن يقول الرجل إن نسبة الفساد في عصر مبارك كانت قليلة جدا ولا تصل إلى 10%.

ولا عجب عندما يصل سعر الدولار إلى 11 جنيها في حين أنه لم يتجاوز نصف هذه القيمة عندما قامت الثورة قبل خمسة أعوام، ولا عجب عندما تجد الرئيس لا يعتمد على حكومته العاجزة في مواجهة المشكلات الرئيسية التي تواجه المواطن، بل يعتمد وبشكل أساسي على القوات المسلحة فهى التي تتولى إقامة المشروعات الكبرى مثل قناة السويس ومد الطرق والإسكان الاجتماعى وتطوير العشوائيات، وأخيرا توفير السلع الغذائية بأسعار مقبولة من خلال منافذ للبيع، وبالطبع نحن تجاوزنا المرحلة الانتقالية المزعومة، ولكن ما زال غول الأسعار يلتهم الفقراء والحكومة عاجزة، والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة الآن إلى متى يؤجل الرئيس دخول معركة القضاء على نظام مبارك وسياساته التي تفقر المصريين ؟!

إن ما يقوم به الجيش المصرى العظيم ليس دوره ولا يجب أن نشغله بالشأن الداخلى، فالمخاطر التي تهدد حدود الوطن كبيرة للغاية والمتربصون بمصر كثيرون، والمواطنون الفقراء على وشك الانفجار، ولابد من التحرك السريع، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية