رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أقباط الخارج المفترى عليهم


لا يمكن تجاهل الافتراءات التي نسمعها من الإعلام المصرى على "أقباط المهجر" في كل أزمة يمر بها أهلنا من أقباط مصر في الداخل، فالصمت الآن يكرس سوء الفهم ويدعو البعض إلى الخلط. لذا رأينا من اللازم أن نزيل سوء الفهم عند البعض، وأن نشرح للمصريين في الداخل كيف نفكر، أي كيف يعمل العقل الذي تربى في مناخ حر يساعد على التفكير المنطقى ويعطى أدواته الفكرية والذهنية. إنه مناخ غير عبودى لا يحاسب الشخص فيه إلا على الأقوال المعماة وغير المثبتة والغامضة؛ فيفند كلامه غير الموثق ويضرب به عرض الحائط إذا تضمن نظريات هزلية من أصول الفكر الخرافى كالتي سمعناها مرارا بالتليفزيون المصرى..المسألة وما فيها تتلخص في الآتى:


أولا: نحن أحرار في الفكر، ولعلى أقصد تلك الحرية الداخلية التي لا يشعر بها الكثير من المصريين في الداخل، نظرا لقيامهم بنوع من الرقابة الذاتية على أنفسهم قبل أن يفتحوا الفم لقول الحقيقة، لوزن المؤسسات الدينية وبسبب مجموعة من التراكمات الثقافية والاجتماعية التي تثقل على العقل بقيود فجة فتحرمه من كل نور ومعرفة علمية متقدمة، وتحول بينه وبين الانطلاق الحقيقى نحو آفاق ثقافة ذات جودة وسمو معين.

ثانيا: نحن ننظر إلى كل قيد على حرية الآخر يأتى من أي شخص على آخر، على أنه نوع من القهر والظلم إذ يستهدف إخضاع إرادة إنسانية لإرادة إنسانية أخرى، وهو جريمة بشعة لا يمكن للضمير الإنسانى الحديث أن يقبلها حتى لو كانت المجتمعات المسماة بالإسلامية تقبلها!
لذا نرى أن دور القانون هو أن يحمى الطرف الضعيف من سطوة القوى الرجعية الظلامية، وأن يكون وحده صاحب السلطة الإخضاعية، ويستمد شرعيته ومشروعيته من عدالته؛ فاذا انفصمت العروة بين القانون والعدالة أصبح طغيانا بائسا لا يفترق كثيرا عن طغيان أي تشكيل عصابى.

ثالثا: نحن ننظر إلى القانون كأداة لحماية التنوير، وتبعا لحماية أمن المواطن وحقوقه وحرياته وليس كأداة لتكريس الظلم والقهر، وممارسة البلطجة والتغطية على مرتكبى جرائم ضد الابرياء.

رابعا: نحن ننظر إلى ما يحدث في مصر وإلى طبيعة التساؤلات التي يطرحها الإعلام المصرى بشأن الأزمة في المنيا، على أنه نوع من التخلف البدائي والهوس الفكرى لا يليق بمثقفين، لأن أصل وجذور المشكلة في أحداث المنيا هي غياب الدور الحمائي للدولة! ما زاد على ذلك هو من باب الخطب البلاغية والترهات الهزيلة واللف والمواربة، ولا نقره لأنه منطق عقيم عهدناه في مصر من دعاة ومدعى الثقافة.

خامسا: نحن نرى أن حل المشكلة معروف للكافة لكنه أصعب الحلول اتخاذا في مصر، لأنه يقتضى محاسبة المسئولين كافة وتوقيع كافة الجزاءات السياسية والإدارية والمدنية والجنائية. وإذا كنا نرى ذلك فحتما لأننا في الخارج نعيش في دول حديثة قوية القانون فيها هو السيد. فإذا كان المسئولون في مصر عندهم صعوبة "قلبية أو عاطفية" في الإعمال الفعلى للمبادئ القانونية والدستورية، وهذه الصعوبة تحدوهم للذهاب في كل الطرق ما عدا الاتجاه الوحيد الصحيح، فذلك لأنه لأول مرة نطالبهم بهذا الإصرار على وضع الأقباط مع المسلمين على قدم المساواة، وهو يمثل عنفا شديدا على صدور البعض في مصر لم يتعودوا عليه، إذ ألفوا التفاوت في المعاملة وغياب المساواة وصدقوا اكذوبة أن مصر هي بلدهم وحدهم وأنهم أصلاء فيها وأصحاب امتيازات! عفوا ولكنها أوهام مريضة لا يمكن لعاقل أن يحترمها وباب أولى أن يقرها.

سادسا: نحن ننظر إلى ما يحدث لأهلنا في مصر كأنه أعجوبة من أعاجيب الزمن الساحق، ولا يمكن لنا أن نقبلها برضا وتسليم وبصمت دون أن نعبر عن التعجب والحسرة والاستنكار الشديد، وننبه في الوقت نفسه بمواطن القصور ومواضع الزلل، فبدلا من الاتهامات الهزلية التي نسمعها ونرثى لقائليها ، كان يجب على الإعلام أن يطالب الدولة بالقيام بدورها بإعادة الحقوق لأصحابها، وبالردع الخاص والعام وهى مفاهيم يعرفها المتخصصون في القانون.

سابعا: المسألة وما فيها أننا نتأذى من الكذب، ونتأذى من هجر الحقيقة، ونتأذى من المهادنة والمواراة، ونتأذى من التهرب الرعديد من المسئولية، ومن كل محاولات التشبث بالسلطة المحلية في المنيا على حساب الأبرياء. ونتأذى من مصر الأم التي تتنكر لأمومتها، فاستهوتها مراءاة المعتدى وممالأة الغالب!
 الأمر كله أننا في مصر وفى الخارج قد قضينا اللوامة رغدا، وأدينا الأمانة سددا، وما اتخذنا من المضلين عضدا، ولعل هذا الفرق يجعلنا غير مفهومين لمصريي الداخل.
Advertisements
الجريدة الرسمية