رئيس التحرير
عصام كامل

«الأنبا مكاريوس».. رجل إدارة الأزمات في الكنيسة.. «بروفايل»

الأنبا مكاريوس، أسقف
الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا

«المواقف تظهر معادن الرجال».. وفق ما قالوا بالأمثال، وثبت صحة هذا القول، على أرض عروس الصعيد بـ«المنيا».

رجل يرتدى السواد وعلى وجهه بشاشة الأطفال وفى طباعه حنو الأباء على الأبناء، اليوم الثلاثاء، يكلل 12 عامًا بالتمام والكمال خادمًا للجميع مسلمين وأقباط.. إنه الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبوقرقاص.


وداعة الحمام تراها مرسومة على ملامحه وحنو الآباء أبرز طبائعه لايكل السؤال وتفقد البسطاء والمعوزين، وعند اللزوم تظهر ملامح أسد مقاتل، أسقفا راعيا خادما، مبارزا بدرجة امتياز.

محارب للأفكار الرجعية والرديكالية التي حاولت تبديد الهوية المصرية وانتهاك صورتها الحضارية، فكان حائط صد أمام التيارات المتشددة محارب بالكلمة والعلم.

يدير الأزمات بنزعة وطنية تلتف بسرائر العادات والتقاليد المعهودة والموروثة بهويتنا المصرية، نادى بإعلاء سيادة القانون رافضًا عصف مكتسبات ثورتى الأمة في صورة جلسات عرفية.

«حادثة الكرم»
«الكرم» اسم لم يسمعه الكثيرون إلا منذ أيام قليلة تلك القرية المترمية على أطراف مركز أبوقرقاص، والتي كانت شاهدا على حادث تأثر به المصريين، أدار الأنبا مكاريوس، الأزمة الحالكة والتي تند لها الجبين بشأن تعرية وتجريد سيدة مصرية مسيحية مسنة على يد بلطجية على خلفية إثارة شائعات بوجود علاقة غير شرعية بين نجلها وسيدة مسلمة.

أبى الجلوس على طاولة التفاوض بانتهاك حرمة مصر ممثلة في السيدة سعاد ثابت التي تجاوزت السبعين عامًا والتي نال منها المعتدون وأضرموا النيران بمنزلها و6 منازل آخرين.

سارع ليحتضن أبناءه المتضررين فكان لقاؤه معهم بعد وقوع الحادث الأسبوع الماضي ليطمئنهم، ويؤازرهم ويرسخ لديهم بأن بلادنا دولة قانون، وبعدها فجرت السيدة ببلاغها ما حدث من طامة نالت الجميع بكشف عوراتها للعوام بعرض الشارع، فاستشاط مدافعا وحاميًا بالحق لها.

فوضه البابا تواضروس الثانى دون غيره ليكون الممثل للكنيسة في إدارة تلك الأزمة والوصول بها لحل، وجاء رده على المسئولين المحليين الذين ينفون واقعة تعرية وتجريد ملابس السيدة، وجه لومًا إليهم، قائلا:"إن حل المشكلات بالمواجهة وليس بالتضليل، ووجب المكاشفة وإراحة الجميع بإلقاء القبض على المتهمين وتقديمهم للعدالة".

إنجاز العدالة
وناشد بتحقيق ما طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي بتطبيق صحيح القانون وإنجاز العدالة، ألا يفتح الباب لأصوات الخارج والتي قد تنال منا دونما نستطيع الرد.

هنا عروس الصعيد «الباكية».. لم تسجل للأنبا مكاريوس الأسقف العام جدارة إدارة الأزمات في نقطة، بل تسرد في نقاط عدة وكتيبات، ولعل أبرزها رفضه البات والقاطع التدخل الخارجي وسط أحلك الظروف حينما تعرضت كنائس المنيا للاعتداءات على يد الإرهابيين في أحداث أغسطس 2013 الشهيرة، والذين أضرموا نيرانهم فيها لتكون صاحب نصيب الأسد في الأضرار.

وكان يبعث بالطمأنية لرعايا الكنيسة ليزيل الاحتقان بإقامة الصلوات فوق أنقاض الحرائق والتدمير قائدا روحيًا لشعبه وأبنائه، ولعل أبرزها صلواته في كنيسة الأمير تادرس الشطبى بالمنيا والتي دمرت بيد الإرهاب، وإقامة مراسم خطبة لعروسين فوق الأنقاض.

محاولة اغتيال
في 30 سبتمبر 2013 تعرض لمحاولة اغتيال صريحة، حال زيارته لقرية "السرو" التابعة لمركز أبوقرقاص، لتقديم واجب عزاء في شاب قتل على يد متطرفين، وهو على أطراف القرية سمع دوى إطلاق النار فما كان له إلا العودة للمطرانية أو استكمال طريقه لمنتظريه من أهالي الضحية للتعزية.

وتمكن من الدخول للقرية وفتحوا أبواب الكنيسة المغلقة لأسباب ترخيص أو ما شابه لأجل إقامة التعازى للأسرة وفقط وفق معطيات الظرف الراهن، هرع المتطرفون بإطلاق النيران على المكان بكثافة قرابة الساعة ونصف.

ترددت التراتيل مع طلقات الرصاص الذي حاصر مكان الصلوات، وبعد فترة من الزمان جاء الأمن، وأبي أسقف المنيا العام استقلال سيارة مصفحة ضد الرصاص آنذاك قائلا:" نفسى ليست ثمينة عندى.. إنما أريد أمانا للأطفال والأهالي".

ولعل صورة الأنبا مكاريوس يتفقد حطام الاعتداءات الإرهابية على الكنائس في أغسطس 2013.. لازالت عالقة في أذهان الجميع أعادها للذاكرة بوضوح ما جرى بكنيسة العذراء بقرية الإسماعيلية بالمنيا الأيام الماضية.

بعدما تعرضت للحريق على يد متطرفين، فكان أسقف المنيا مبادرًا بالزيارة لتفقد الأوضاع وقاد صلوات القداس الإلهى في "الطل" وخلفه جمع من رعايا الأقباط.

مواقفه تكشف معدنه وطبيعته الجبلية التي تعود لرهبنته بدير العذراء البراموس والتوحد والصلاة أثقله بالقدرة على اجتياز الصعاب والأزمات، لذا أسند إليه الكثير من المهام منذ رهبنته وحتى الآن.

جاءت أولى مسئولياته بالدير بعدما رسم راهبا باسم الراهب القمص كيرلس البرموسي، فكان مشرفًا على بيت الخلوة بالدير وتقلد عددًا من المهام للإشراف على الشباب الوفديين للدير، وتدرج في المراتب الكهنوتية، أصدر الكثير من المؤلفات والكتب تحت مسمى" راهب من دير البراموسى" للابتعاد عن مجد العالم.

وحاول معه البابا الراحل شنودة الثالث رسامته أسقفا مرتين للخدمة بكنائس الخارج، لكنه أبى مفضلا الصلاة والتواجد في رواق الدير، وبدأ البابا في الاستعانة به سكرتيرا عام 2003 وما أتم العام ليرسمه أسقفا عاما للمنيا في 31 مايو 2004.


خدمات وقوافل
دشن الكثير من الخدمات والقوافل التي تجوب القرى وتدعم المشروعات الخدمية والتنموية للمسلمين والأقباط، ويحرص سنويا على تخصيص مبلغ مالى بالاتفاق مع المحافظة ليوزع على الفقراء خلال شهر رمضان المبارك- وهو ما لا يعرفه إلا المقربون منه.

يمثل الأنبا مكاريوس رجل إدارة الأزمات والمهام، استعان به البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية ليتولى الإشراف على مجلة الكرازة – المجلة الكنسية الرسمية، كما أسند إليه الإشراف الكامل على التجمع الرهبانى بوادى الريان عقب الأزمة الأخيرة بين رهبان الدير والدولة بشأن شق طريق التنمية الفيوم الواحات، وأخيرا وليس بآخر فوضه لتولى الإشراف على وضع قرية الكرم ومجريات الأزمة للعبور بها لبر الأمان.
الجريدة الرسمية