رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حكاية شعب بين طابورين


مدام هبة المدرسة، والأستاذ سيد الموظف بالصحة، عم عبده المحال للمعاش وأم سيد الأرملة والطفل الصغير أحمد ابن عم محمود الأرزقى الذي تطارده المرافق يوميا كانوا جميعا في هذا الطابور الطويل الممتد لعشرات الأمتار.. كانت الشمس حارقة والعرق يتصبب منهم جميعًا والفقر يكسو ملامح الجميع وماء الوجه مفضوح أمام المارة.. لكن كل ذلك لا يهم مقابل كيلو أرز بـــ 4.5 بفارق سعر مماثل لم يستطيعوا الاقتراب منه ولن يستطيعوا في ظل رواتب متدنية ومتناقصة بعدما كانت ثابتة وكانوا راضين بالهم، ولكن الهم والدولار والتمييز لفظهم !


في مكان آخر في نفس الوطن كان هناك طابور آخر، ولكن شتان الفرق في المظهر والهدف والهندام.. كانت روائح العطور الرجالى والبرفان النسائى التي تكفى زجاجة واحدة من ثمنه إطعام عشرات من الواقفين في الطابور الأول تملأ المكان.. هدف طابور الفقراء كان فرخة مجمدة أو كيس أرز أو قليل من اللحوم المجمدة الأقل سعرًا من مثيلاتها في المولات والأسواق تطرحها الدولة كمحاربة للغلاء الذي تصنعه سياستها دون أن تدري !

مقدار ما يدفعه المحظوظ من طابور الفقراء لن يتعدى مائة جنيه أو ضعفها بالكثير كخزين معقول للشهر الكريم القادم بعد عدة أيام، مقدار ما سيتم دفعه في الطابور الثانى يتراوح بين 2 مليون جنيه ومضاعفاتها مقابل العيش في كمبوند ذي أسوار يحميهم من الدهماء والرعاع المجاهدين في سبيل فرخة أو كيلو أرز أو كوب شاء محلى بسكر مر !

هدف السادة الأثرياء في الطابور الثانى كان حجز شقة أو فيلا في جنة مصر الأرضية بسعر أدنى سبعة آلاف جنيه للمتر.. نفذت بكل أسف هذه المرحلة وبقيت المرحلة الأعلى في الجنة، حيث المتر بتسعة آلاف جنيه كاملـة !

إلحق يا جدع ! المتر بتسعة آلاف فقط... يا بلاش يا وطن.. فرصة للاستثمار من جانب طبقة النصف في المائة التي حاربها عبد الناصر وأعادها السادات وباركها مبارك وتضخمت في عصرنا الحالى حتى وصلت لما يقرب من 10 % وفق دراسات اقتصادية واجتماعية، حدث ذلك بفضل سياسات عديدة الجميع يشعر بمدى فداحتها وتأثيرها فى الأغلبية الكاسحة والكسيحة أيضًا من الشعب المصرى !

الكارثة ليست فقط في الفرق الشاسع والمقارنة الهزلية والعبثية بين طبقة التسعين في المائة المقهورة واللاهثة وراء وجبة تسد رمقهم وبين طبقة العشرة في المائة التي تسعى للحفاظ على وجودها في ظل حماية فعلية في مجمعات سكنية فخمة ومرفهة تحميهم من الهمج الغلابة الذين ربما تسول لهم أنفسهم المريضة وبطونهم الجائعة الاقتراب منهم يومًا يرونه قريبًا !

الكارثة الأفدح هي خوف هؤلاء من انخفاض متجدد لقيمة العملة المصرية مما يدفعهم للسباق بشقة أو فيلا بسعر غال وباهظ وفلكى بالنسب لغالبية الشعب.. إذًا هم لا يثقون في اقتصاد بلدهم وفي حكومتهم التي تدللهم وترفع من رواتبهم على الدوام وتمنحهم مزايا مستفزة !

للأسف أي حديث عن الطبقية أو الغلاء أو الإفقار ليس له أي أهمية عند حكومة تصنع الغلاء وتبارك التمييز ثم تدعى أنها تحاربه.. دعكم من كل هذا ولكن ألا تخشون من تدهور العملة المصرية أكثر من ذلك؟ ألا تستشفون خطرًا على السلم الاجتماعى لوطن لا يتحمل أي فوضوى أو تفجر لأوضاع اجتماعية أو طبقية؟
الوطن في خطر يا سادة.
fotuheng@gmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية