رئيس التحرير
عصام كامل

أمل عبدالرحمن تكتب.. حينما تصبح الرجولة أفعالا لا أشكالا

أمل عبدالرحمن
أمل عبدالرحمن

وما بين مظهر الرجال والحصول على اللقب إلا التحلي بفعل الرجال...فكما درجنا في مجتمعاتنا العربية _(قتل الله العادة )_إن التصرفات التي تحمل قدرا من الحكمة والفعل الرشيد والتي يكون منبعها الشهامة والجدعنة تنسب عادة إلى الرجل..فنقول إذا استحسنا موقفا: " ده تصرف راجل " أو "ده راجل من ضهر راجل "، ولم ننسب يوما الشهامة والجدعنة والمروءة إلى امرأة مهما عظمت أفعالها.وجردت المرأة من بعض هذه الصفات لتظل حكرا على مظهر الرجال وإن ضنوا بها.



ولا أحد ينكر أن الرجل بما ميزه الله من بنيان جسماني وعضلي واتزان عاطفي وتغليب للعقل على الانفعالات العاطفية يستطيع الثبات والسداد في المواقف والشدائد أكثر من المرأة، ولكن لأن سنة الكون هي التغيير فلا شيء يظل على حاله، فقد تبدلت كثيرا المواقف والكراسي لتخبرنا بتنازل عدد ليس بقليل من الرجال عن أدوارهم للمرأة وخاصة مع تزايد صعوبات الحياة ومتطلباتها ليستغيث بالمرأة.. ألا شاركتيني حملي.. لتلبي المرأة في الحال.. وها أنا ذا في الخدمة.. زوجة وأم وأب وامرأة عاملة وحلال أزمات ومنسق السياسات الخارجية والداخلية في المنزل وفي أحيان كثيرة عائل الأسرة في ظل وجود الرجل !!!
الحقيقة أني أتفهم كثيرا مشاركة المرأة الرجل هذه الأدوار وخاصة مع تزايد ضغوطات الحياة ولكني لا أتفهم تنحي الرجل نهائيا عن أدواره التي جبلنا عليها.

في الأيام القليلة الماضية تابعنا بكل الخزي والحزن أحداث قرية الكرم مركز أبو قرقاص محافظة المنيا واقعة السيدة التي تم تجريدها من ملابسها على أيدي مجموعة من الكائنات بهيئات الرجال على خلفية أحداث يريدون إلصاقها بالطائفية ولكني أراها أخلاقية بحتة وإن كان لابد من اعتبارها تمييزا.. فهو تمييز ضد المرأة في العموم أيا كانت ديانتها، وإلا فلماذا لم يتم تجريد زوجها أيضا من ملابسه ؟؟!!
وما بين مطرقة الطائفية وسندان انهيار منظومة القيم لدينا..ظهرت علينا ست بمائة راجل أو دعني أقول ست بمائة ست، خرجت علينا كبزوغ القمر وسط ظلمة كاحلة، فهي السيدة الوحيدة التي هالها موقف تعري السيدة على مرأي ومسمع من الجميع، هي الوحيدة التي غلي الدم في عروقها وانتفضت رجولتها أو قل أنوثتها لهذا الخزي والعار، هي الوحيدة التي هرعت إلى السيدة تسترها بملابسها، وأخذت على عاتقها تحمل تبعات موقفها ولم تخش أن يطالها من العري جانبت. ففي هذا المشهد رأيت انتحارا جماعيا للرجولة على أيدي هؤلاء الكائنات واقتناص المرأة لصفات ضنت بها عليها مجتمعاتنا العربية كثيرا لتصبح هذه السيدة المرأة الجدعة والتي لو وضعت في كفة ورجال القرية جميعها في كفة لرجحت كفتها وفاضت بالمروءة على الجميع.

وكما كان هذا المشهد انتحارا لكل من تستر خلف هيئات الرجال...كان هناك تخليد لقامات رجال طالت السماء من فيض أخلاقها بقدر ما حملته من حب في قلوبها..ففي الأسبوع الماضي كان هناك رجل ماتت عنه زوجته ورفيقة دربه بمرض السرطان، فتركت في نفسه جرحا غائرا وأراد أن يخلد ذكري حبيبته ورفيقة عمره فتبرع بخمسة ملايين جنيه مساهمة في بناء مستشفى السرطان بالأقصر وليحاول تخفيف الألم عن أناس ربما لا يعرفهم، لمجرد أن يترحموا فقط على روح زوجته !!

أيضا كان هناك ذلك الشاب الذي كان بين ضحايا الطائرة المصرية القادمة من مطار "شارل ديجول" بفرنسا إلى مطار "القاهرة" والذي باع كل ما يملك وترك الدنيا ومغرياتها، ماله وعمله وحتى أولاده، ليسافر مع زوجته في رحلة علاج إلى فرنسا بعد أن أصابها مرض السرطان، وكأن الحب الذي جمع بينهما في الدنيا يأبى ألا يفارقهما حتى اللحظة الأخيرة فربط مصائرهما ليغادرا الدنيا معا كما عاشاها بالحب معا..أو قل عاش الحب والإنسانية معهما.

الجريدة الرسمية