رئيس التحرير
عصام كامل

موقعة «سيدة الكرم»


ما حدث في موقعة المنيا ليست جريمة طائفية فحسب؛ وإنما هي جريمة إنسانية في حق المرأة المصرية وفى حق مصر أمام العالم وفى حق التاريخ المصرى الذي نعتز به، قرية «الكرم» التي وقعت فيها الأحداث بين مسلمين ومسيحيين، وتجريد سيدة قبطية من ملابسها بالقرية والاعتداء عليها، هي جريمة تخطت كل مراحل التفكير الإنسانى وتخطت العادات والتقاليد المصرية القديمة، بل تخطت النخوة التي يتصف بها الرجال المصريــون، سيدة عجوز تبلغ من العمر سبعين عامًا عدد من الأشخاص قاموا بالاعتداء عليها بالضرب وتجريدها من ملابسها، لكونها والدة شخص متهم بإقامة علاقة مع ربة منزل بقرية الكرم.


فعل لم أكن أتوقعه مهما حدث من اشتباكات أو مشكلات طائفية أو مجتمعية ولكن هو إنذار لما تكوّن من أيديولوجيات وأفكار عند قِطاع من المصريين داخل القرى والمحافظات، أفكار تكوّنت نتيجة الجهل وعدم الوعى وعدم تقدير الإنسانية ولا تقدير الهوية المصرية، بل هذا المشهد يذكرنا بالمجتمعات البدائية التي لا عُرف فيها ولا قانون.

أعلم جيدًا أن من أسباب هذه السلوكيات غير الإنسانية اتجاه مُنظم لنشر بذور الطائفية وترسيخ قيم الكراهية لتفتيت تماسك المجتمع، ولكنى أُدرك أيضًا أن هناك غيابًا للمفاهيم الإنسانية واندثارًا للقيم والعادات المصرية التي تَربىَ الشعب المصرى عليها في نفوس من قاموا بهذه الجريمة، وأُدرك أيضًا غياب دور المؤسسات والتي من شأنها المساهمة في تربية الأبناء.

الرئيس السيسي يحاول جاهدًا أن يبنى مصر في مجالات متعددة، ولكن على الوجه الآخر هناك من يُريد حرق قلب مصر، وهناك من يريد تمزيق أواصر الرحمة والمحبة، يد واحدة لا تستطيع أن تبنى وتحل المشكلات وتُربى، فهناك دور قد غاب عن المؤسسات التي تعنى بالتربية من مدارس وجامعات ودور عبادة عن قطاعات موجودة بالفعل في مصر وحوداث المنيا خير شاهد على ذلك.

وبطبعى لا أحب أن أكتب في هذه الأحداث الطائفية، ولكنى عندما سمعت مداخلات الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا، وقرأت بيانه ومدى احترامه القانون والجهاز الأمني، ولأني أعلم صدق هذا الرجل ووطنيته وخوفه على السلام الاجتماعى، بل انفعالى بما حدث للأم المصرية "سيدة الكرم" لما سَطَرت هذه السطور فقد خرج أكثر من بيان ينادى بتطبيق سيادة القانون.

ولكنى أتساءل: إلى متى ننتظر البيانات والدعوات التي تنادى بتطبيق القانون في حادثة من الحوداث؟!! أما حان الوقت أن يتم تفعيل وتطبيق وسيادة القانون بصورة تلقائية دون التوسل، ألا يليــــق بمصر أن تكون دولة قانون، ألا يليق بمصر والتي علّمت العالم الحضارة في لحظة تاريخية معينة أن تكون نموذجًا لتطبيق القانون على كل من يخطئ في حـق مصر، وفى حق المجتمع، وفى حق المرأة المصرية، والتي قدمت نموذجًا مشرفًا من بداية التاريخ وحتى الآن في الاحتمال والوطنية والنضال.
الجريدة الرسمية