رئيس التحرير
عصام كامل

لم يسأله أحد! (2 )


وجد الرئيس كل ما يمس للقوة معه..التشريعات معه، السلطة التنفيذية معه..والبرلمان المنتقى بعناية والموجة معه.. الإعلام الممول من أساطين المال والرأسمالية الفاسدة ربيبة عصور السادات ومبارك معه..ودورة تخوين كل من تسول له نفسه التفكير، مجرد التفكير في معارضة سياسات أو قرارات الحكومة التي غالبا ما تمس الطبقات الأضعف في المجتمع، قوانين وقرارات بثبيت المكافآت المالية والحوافز والبدلات لصغار الموظفين في الوقت الذي تم خفض الجنيه بمقدار 30%، أي زيادة التضخم رسميا بنفس النسبة في حدها الأدنى.. لكن هل يستطيع أحد أن يعترض؟..بالطبع لا وإلا سيكون السجن مصيره إن تجاسر وخرج في وقفة احتجاجية أو مظاهرة ضد الغلاء والإفقار وتحمييل فاتورة الفشل الاقتصادى للضعفاء فقط في ظل قانون تم وضعه بعناية شديدة لخدمة هذا الهدف وتم إقراره في البرلمان في لمح البصر!


يحدث هذا في ظل استفزاز رسمى من النظام للفقراء عن طريق زيادة بدلات وحوافز ورواتب الكبار المميزين وتابعيهم، لا يمر يوم إلا والإعلان عن زيادة بدلات الجهة الفلانية وزيادة معاشات الجهة العلانية إرضاء لهما..ثم يلى ذلك زيادة للعاملين بالوزارة التابعة لها.. تصور أن وزير العدل الأسبق قام بزيادة بدل المصيف للعاملين في وزارته!..بدل مصيف في بلد الفقير فيها يحتاج لعمل جمعية شعبية لشراء مستلزمات أسرته الضرورية من سكر ورز وشاى قبيل شهر الصوم ! بالطبع ما من سبيل للخروج للتظاهر والاحتجاج وإلا فالعاقبة سوداء، والجوع بالطبع أرحم من السجن..يحدث هذا بينما تكررت احتجاجات ومظاهرات أمناء الشرطة المرفهين ذوى الرواتب العليا ولم يحاسبهم أحد.. يحدث هذا بينما من تجردوا من حقوقهم وتساموا عنها وخرجاو فقط للتعبير عن تمسكهم بأرض مصرية تم حبسهم وتغريمهم !

الرئيس واثق جدا أن أحدا لن يستطيع الاعتراض وحتى إذا اعترض، من سيسمع صوته وأى قناة ستنقل أناته أو صراخه..أي إعلام سيتجرأ وينتقد سياسات مجحفة تحمل الفقير رفاهية الكبار ومن دار في فلكهم.. ثم إذا حدث وتم نقل الشكوى للرئيس لن يتغير شىء مطلقا، لأن تلك هي قناعات الرئيس الاقتصادية والتي لم يكذب مطلقا عندما صرح بها قبيل ترشحه، بأنه قادم لرفع الدعم ورغم ذلك صم المؤيدون آذانهم، وخونوا من نقل لهم حديث المرشح الوحيد المؤكد للرئاسة، ورئيس الضرورة مثلما وصفته النخبة الرسمية للدولة!

ستة أشهر كاملة مرت على وعد الرئيس الحاسم بانخفاض الأسعار!.. ألا تتذكرون حديث الرئيس عن إحساسه بالغلابة وإصراره على تخفيض الأسعار..كان ذلك في نوفمبر من العام الماضى.. مر نوفمبر وتلاه ديسمبر وانقضت سنة مجدبة على الفقراء بل وتضاعفت الأسعار في السنة الحالية!

لم يسأل أحد الرئيس عن تلك الوعود أو سبب فشلها وعدم تحققها أو حتى عن رؤياه لما هو قادم وخطير ومهلك وفوضوى في ظل معطيات اقتصادية واجتماعية غاية في السوء.. لم يسأل أحد الرئيس عن سابق حديثه عن الرفق بالمصريين الذين أكد أنهم "نور عينيه" ! أهكذا يكون الرفق وهكذا يكون مصير نور العين يا ريس !

صدق الرئيس عندما صرح بأن مصر شبه دولة.. وهل هناك دولة في العالم تدار بهذا الشكل السافر في الانحياز ضد الأغلبية الفقيرة والضعيفة لصالح طبقة واحدة تملك كل شىء!

صدق الرئيس لأن كل السياسات السابقة على مجيئه والحالية تؤكد أننا لم نصل حتى لمرحلة شبه الدولة.. ذاك أمل بعيد وغاية كبرى لن نصل إليها في ظل تشريعات تمييزية وقرارات عكسية وهيئات تشريعية مهمتها مراقبة أعضائها وليست مراقبة الحكومة والنظام !

هل وجود رئيس برلمان يتوعد ويهدد ويعاقب ويقصى من يريد مناقشة سياسات الحكومة النقدية إلا ترسيخ لكيان هزلى لم يصل بعد لمرحلة شبه الدولة! هل وجود رجل يتوعد نواب الشعب بالتأديب إذا تجاسروا وناقشوا ميزانية حكومة شعبهم إلا ترسيخ للعبثيه التي لا تمت حتى لدولة القبيلة بصلة!

من حقنا إذن أن نسأل الرئيس: هل نحن حقا شبه دولة أم أقل من ذلك؟ وما السبيل للخروج من تلك المأساة الكبرى والاقتراب شيئا فشيئا من العالم والزمان والمكان الذي نحيا فيه.. فقط نحن نسأل!
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية