رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

د. ياسر عبد العزيز: الصحافة المطبوعة تعيش أيامها الأخيرة.. والإلكترونية تخطت حاجز الزمن

فيتو

ينشغل الكثير من العاملين والخبراء بالصحافة والإعلام في السنوات الأخيرة بصراع "ضار ومحتد" بين الصحافة المطبوعة ذات المكانة الراسخة منذ سنوات وعقود بعيدة، والصحافة الإلكترونية الوافدة مع التطور التكنولوجى الهائل والطفرة التي يشهدها العالم في مجال الاتصالات، فعُقدت مؤتمرات وألقيت محاضرات حول هذه القضية في محاولة للتوصل إلى مصير واضح ومحدد لهذا الصراع، وفى المقابل يؤمن بعض خبراء المجال الإعلامي بأن هذا الصراع قد حُسم بالفعل وكل ما نعيشه حاليا ما هو إلا آثار لصراع غير مُتكافئ دار بين صحافة مطبوعة تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام صحافة إلكترونية يجرى في أوصالها دماء الشباب، عن هذا الصراع وحقيقة وجوده وآثار ظهور الصحافة الإلكترونية على المشهد الصحفي المصري والعالمي، كان لملحق "فيتو" هذا الحوار مع الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبد العزيز.



> يتحدث خبراء الصحافة والإعلام في الوقت الراهن عن صراع محتدم بين الصحافة الإلكترونية والصحافة الورقية المطبوعة، ما رأيك في هذا الأمر؟
لا يوجد صراع بينهما من وجهة نظري، فالصحافة المطبوعة للأسف الشديد تشهد أفول عصرها، فضلًا عن أن زمنها قد ولى في ظل تراجع أعداد نسخ الصحف المطبوعة على مستوى العالم المتقدم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفى ظل الارتفاع الكبير والمُطرد في عدد مستخدمى الإنترنت والمتزودين بالمحتوى الإخبارى عبر الوسائط التكنولوجية، وأرى أن الصحف المطبوعة لن تبقى إلا في شكل محدود ورمزى.

> ما تأثير هذه المستجدات على توزيع نسخ الصحف المطبوعة؟
إذا نظرنا إلى أعداد نُسخ الصحف المطبوعة في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية سنجد أنها في انخفاض واضح وكذلك أرقام توزيعها، فقد أكدت إحصائيات تقرير رسمى حديث صادر عام 2015 عن اتحاد وسائل الإعلام الأمريكية المُدَقَقة، أن السماء تسقط فوق رأس الصحافة المطبوعة في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى، وأشار هذا التقرير المتعلق بتوزيع أكبر 25 جريدة على المستوى الوطنى في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن جريدة USA Today، وهى واحدة من أكثر الصحف توزيعًا، كانت توزع 1.4 مليون نسخة على المستوى الوطنى في 2013، وانخفض هذا العدد في سبتمبر 2015 ليصل إلى 299 ألف نسخة فقط، أما جريدة New York Times، وهى صحيفة أمريكية ذات صيت على المستوى العالمى، بلغ توزيعها في مارس 2013 على المستوى الوطنى في أمريكا 731 ألف نسخة، بينما أصبح توزيعها 528 ألف نسخة في سبتمبر 2015، وكانت صحيفة  Wall Street Journal، التي تُعد أهم جريدة للمال والأعمال، توزع تقريبًا نحو 1.5 مليون نسخة في 2013، ووصل توزيعها في 2015 إلى مليون نسخة فقط، والمشكلة الحقيقية التي تُشير إليها هذه الأرقام تكمن في وجود انخفاضات حادة في توزيع الصحف المطبوعة خلال فترات زمنية قصيرة.
إذًا، فالعالم يعترف بأفول عهد الصحافة الورقية المطبوعة مع بزوغ فجر عهد الصحافة الإلكترونية.
كما أعلنت صحيفة الإندبندنت البريطانية إيقاف طبعتها الرسمية المطبوعة والاعتماد على نسختها الإلكترونية، وقد فعلت صحيفة The Christian Science Monitor ذلك قبلها، وهكذا فعلت أيضًا صحيفة شيكاجو تريبيون، كما أعلنت صحيفة الجارديان البريطانية عزمها إجراء تغييرات على هيكلها الوظيفى لتوفير مبلغ 54 مليون جنيه إسترلينى بسبب ضغوط تراجع العائدات وزيادة الإنفاق، كل هذا يشير إلى الضغوط المتزايدة التي تواجهها الصحافة المطبوعة في العالم والمستقبل غامض.

> ما هو موقف مصر من كل هذه التغيرات؟
كانت الصحف المصرية في الثمانينيات من القرن الماضى تطبع وتوزع ما بين 4 إلى 6 ملايين نسخة في اليوم الواحد، أما حاليًا فتطبع كل الصحف المصرية أقل من مليون نسخة في اليوم ومن الممكن أن يصل الرقم إلى 800 أو 700 ألف نسخة، أو أقل وهذا يؤكد وجود تراجع حاد وكبير في عدد النسخ المطبوعة المباعة، وللعلم فإن الصحف العالمية تتجه حاليًا إلى فرض رسوم على تصفح المحتوى على الإنترنت، وحينما تدخل هذه التجربة إلى السوق المصرى ستتمكن وسائل الإعلام المختلفة من الحصول على عائدات عن تصفح المواد على شبكة الإنترنت وبالتالى ستزيد عائدات الإعلان على المادة الإلكترونية وهذا كله سيؤثر على أعداد الصحف المطبوعة.

> بالرغم أن بوصلة العالم تتجه نحو الصحافة الإلكترونية إلا أن البعض يؤمن بأن لمصر وضعا خاصا، ما تعقيبك؟
مصر بالفعل لها وضع خاص ولكن بما يعنى أنها متأخرة عن العالم بعقد أو بعقدين، أي أنها ليس لها وضع خاص يجعلها بمنأى عن التغير العالمي، فبالإشارة إلى عدد الهواتف المحمولة في مصر الآن نجد أنها تزيد على مائة مليون هاتف تُمثل الهواتف الذكية 40% منها، وفى غضون 5 سنوات من الممكن أن يستخدم 100% من حائزى الموبايل هواتف ذكية خاصة في ظل وجود الهواتف الذكية الأرخص سعرًا من المنتجات الصينية وما شابه.
أما المصريون الذين يستخدمون الإنترنت فتبلغ نسبتهم نحو 40% من إجمالى السكان، والأبحاث التي أجريت تُشير إلى أن تعرض مستخدمى الإنترنت للأخبار يجرى أساسًا من خلال الوسائل الإلكترونية والهواتف المحمولة، وبالتالى فإن الارتفاع المستمر لنسب مستخدمى الإنترنت خاصة بين الشباب وسهولة امتلاك الهواتف المحمولة سيؤدى إلى زيادة نسق التعرض الإلكترونى للمحتوى الصحفى.
ونظرًا لأن غالبية السكان في قطاع الشباب ومعظمهم يستخدمون الإنترنت والهواتف الذكية فبالتالى سيتغير نمط التعرض وحينما يتغير هذا النمط سيكون بقاء الصحافة المطبوعة مسألة غير منطقية، ومع الأخذ في الاعتبار الضغوط التي تُعانى منها الصحافة المطبوعة في مصر من إغلاق لبعضها والضغوط المالية وعدم القدرة على دفع رواتب الصحفيين لدى البعض الآخر وغيرها من الأزمات التي تؤكد أن قطاع الصحف المطبوعة مخنوق، فأنا لا أستبعد مصر من سقوط السماء على الصحافة المطبوعة لكن هذا سيحدث بعد سقوطها أولًا في أوروبا والعالم الغربي، ثم ستتبعنا شرق آسيا.

> إذًا، سوف نرى مصر قريبًا بلا صحف ورقية مطبوعة؟
لا، بل يمكن أن نجد مصر بدون صحف مطبوعة جماهيرية مؤثرة ومنتشرة، مع استمرار تواجد هذه الصحف بصورة رمزية محدودة.

> لكن البعض يؤكد أن الوسائل الإعلامية الجديدة لا تلغى الوسائل الموجودة بالفعل، ما تعقيبك؟
هذا الحديث يمكن أن يكون مقبولًا فيما يتعلق بالراديو والتليفزيون، وأنا أرى أن استمرار صيغة الصحافة المطبوعة سيكون متمثلًا في صورة رمزية وليس في صورة الاعتماد الرئيسى لقطاعات الجمهور عليها.

> ما مشكلات الصحافة المطبوعة في مصر حاليًا من وجهة نظرك؟
مشكلة الصحافة المطبوعة تكمن في أنها بدلًا من أن تكرس الآليات التي تمنحها الميزة النسبية وهى آليات تقديم المواد المُعمقة والمدروسة أخذت تُجارى المواقع الإلكترونية وتقدم المادة غير المدروسة والسريعة.

> ما نصيحتك للصحف المطبوعة والعاملين بها كى تتمكن من الاستمرار في ظل المستجدات التي تطرأ على الساحة الصحفية؟
النصيحة للصحافة المطبوعة تتبلور حول ضرورة التركيز على مواد الرأى والتحليل والتغطيات الأكثر عمقًا، وأود أن أنوه أن هذا الأمر لن يُعيد للصحف الورقية المطبوعة سماءها كما لن يُعيد لها المستقبل ولكنه سيضمن هذا الوجود الرمزى والمحدود الذي سبق وتحدثنا عنه.

> في المقابل، ما الذي يُميز الصحافة الإلكترونية في نظرك؟
تتعدد مميزات الصحافة الإلكترونية فهى الأكثر مواكبة لأسلوب تعرض الجمهور في الوقت الراهن وإيقاعها أسرع فضلًا عن استخدامها جملة المميزات التي تتيحها التقنيات الحديثة، كما أنها تخلط بين استخدام المسموع والمرئى وتستعين بصورة أكبر بالجرافيك والأشكال التوضيحية، كما أنها قادرة على تخطى حاجز الزمن الذي تكون الصحافة المطبوعة أسيرة له.

> ما أبرز التحديات التي تواجه الصحافة الإلكترونية؟
أبرز هذه التحديات هي الموازنة بين رغبة الجمهور في التعرف بسرعة على الأخبار والتطورات وبين الدقة والتثبت، وهذه الموازنة هي مناط التنافس بين الصحفيين وتحتاج تأهيل وتدريب الصحفي حتى يتمكن من الحفاظ على الدقة والسرعة.

> أخيرًا.. كيف ترى مستقبل العاملين في الصحافة الإلكترونية في ظل هذه المستجدات؟
يجب أن تجد نقابة الصحفيين طريقًا قانونيًا منطقيًا لاستيعاب كل من يمارس الصحافة في وسائل الإعلام الإلكترونية أو أن نساعد جميعًا في تأسيس نقابة مهنية لهم، وأساسًا أرى أن التفرقة بين كل من يمارس الصحافة في وكالة الأنباء أو الموقع الإلكترونى أو المجلة أو الصحيفة أو التليفزيون أو الإذاعة هي تفرقة غير سليمة وغير مهنية، فالجميع صحفيون ويمارسون مهنة الصحافة ولكن الوسائل هي التي تختلف.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لملحق "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية