رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب: وضحكت بهم الأقدار !

 ليديا يؤانس
ليديا يؤانس

يا لسُخرية الأقدار من بني البشر !

من الطبيعي والمنطقي، أن يموت الكبير في السن قبل الصغير في السن، ولكن أحيانًا يحدث العكس فتجد طفلًا في العائلة يموت ويبقي الأباء والأمهات والأجداد وكل من يكبرونه في السنوات.


من الطبيعي والمنطقي، أن المريض بالأمراض المُستعصية أكثر عُرضة للموت من الأصحاء، ولكن أحيانًا يظل أشخاص مطروحي الفراش كالأموات غير قادرين على الحركة، وربما يقضون سنينًا عديدة على فراش الموت، سواء بالأجهزة الطبية أو دونها، ولكن في نفس الوقت تجد أشخاصًا أصحاء يموتون في لحظة وبدون مقدمات أو أسباب.

من الطبيعي والمنطقي، أن يكون بالجنازة جُثمان للميت، ولكن نادرًا جدًا ما تكون الجنازة بلا جُثمان للميت!
يا لسخرية الأقدار من بني البشر !

الإنسان قد يُفكر ويُخطط لحياته مُعتقدًا أنه يختار الأفضل، لأنه ليس هناك عند الإنسان أغلي من ذاته، وقد تتوالي النصائح والاقتراحات بالنسبة للمشكلات المُستعصية، ولكن قد تكون هذه الأفكار والاقتراحات مدعاة للسخرية من الإنسان وليس لسعادته!


قالت ليّ، ذهبت لإجراء الفحوصات الدورية الخاصة بمرض السرطان، كما يُشددون عندنا في بلاد المهجر، على عمل هذه الفحوصات الدورية، وكأنهم حريصين كل الحرص على صحة الإنسان، ولكن على الأغلب أن الأطباء والمًمرضين، حريصين أكثر على الاستفادة المادية التي سيحصلون عليها بسبب مرضي السرطان.

المُهم أنهم اكتشفوا أن هذه الأخت عندها سرطان، ولابد من عمل عملية جراحية، لإستئصال عضو هام من جسدها، هذا بالإضافة إلى العلاج الإشعاعي والكيماوي، رفضت إجراء العملية، وقالت لي، شي مُضحك يدعو للسخرية من طريقة التفكير البشري، قال لها الأطباء أنك مازلت صغيرة، ويجب أن تستمتعي بالحياة، نصحوها وأقنعوها بضرورة إجراء العملية الجراحية لكي تعيش عددًا أكثر من السنوات، تستمتع فيها بالحياة، حتى لو كانت ستعيش مُشوهه، أو فاقده لعضو أساسي من جسدها!

ضحكت أنا ضحكة ساخرة، على التفكير البشري حتى ولو كان على أساس علمي أو طبي،
أولًا: لأن العُمر في يد الخالق، فمُمكن الشخص يعمل العملية وأيضًا يموت!
جار يقطن بجوار منزلي، أصيب بالسرطان منذ 30 عامًا، رفض عمل العملية لأنها في منطقة حساسة من جسده، ولكنه أخذ العلاج المُقرر وعاش لمدة 27 عامًا بعدها، ثم جاء له المرض مرة أخرى ولكن في منطقة أخرى ودخل في مرحلة العلاج ولكنه مات لأن عمره إنتهي!

ثانيًا: ليس صحيحًا أن يُقال أن العملية والعلاج ستزيد من عمر الإنسان، لأن بعض الناس بعد العمليات والعلاج ممكن فعلًا يعيشوا أفضل من عذاب المرض، وبعض الناس بالرغم من العمليات والعلاج تضحك بهم الأقدار ويموتون رغمًا عن الطب والعلاج والأطباء.


هزتني بعُنف كما هزت الإنسانية في العالم، سقوط طائرة "مصر للطيران" رقم "MS804" التي أقلعت من مطار شارل ديجول بفرنسا يوم الخميس 19 مايو 2016، وعلي متنها 66 راكبًا مُتضمنين طاقم القيادة والضيافة والأمن، سقطت الطائرة المنكوبة في البحر بالقرب من الإسكندرية.

سقوط الطائرة المصرية أو أي طائرة كارثة بكل المقاييس، وحينما قرأت قصص الضحايا، ذرف قلبي الدموع، تألمًا معهم ومشاركة مع ذويهم المفجوعين في أحبائهم.

قصة حب ووفاء ورغبة في الحياة، وأمل في سنوات عمر مديدة، جعلتني أتذكر قصة الأخت المذكورة عالية، أكيد الأطباء قالوا لريهام حسن، يجب عمل الجراحة والعلاج اللازم لكي تعيشي وتطول أيامك!
ريهام تُحب أحمد العشري، زوجها وأبو أطفالها الصغار، ريهام محظوظة بزوج يعشقها، باع إللي قُدامه وإللي وراه، الموضوع حياة أو موت، أحمد يعمل المستحيل من أجل عيون ريهام وأطفاله، أنه يُريد حياة سعيدة للأسرة، لابد من إنقاذ ريهام من هذا المرض الملعون.

سافرا إلى فرنسا منذ 3 شهور، ألف ألف مبروك نجحت العملية، وحان الآن موعد العودة لأرض الوطن، ولمْ الشمل والحياة الطويلة لريهام، والسعادة للأسرة كلها، ولكن لم تأت الرياح بما تشتهى السفن، فغرقت قصة الحب العظيمة في أعماق البحر، الموت لم يأخذ ريهام فقط، بل أيضًا زوجها بطل قصة الحب الخالد بينه وبينها، لقد ضحكت بهم الأقدار وتلاشت قصة حُبهما، وأختلطت أشلاء أجسادهما مع أشلاء الطائرة المنكوبة.


شابة جميلة، في مُقتبل العُمر، وريعان الشباب، تخرجت من جامعة مصر الدولية، عملت ببعض الأعمال التي تتناسب مع دراستها واللغات التي تُتقنها، ولكن عندما تلقت قبول تعيينها كمُضيفة بمصر للطيران، كادت تطير من على الأرض لشدة فرحتها، أكيد جُزء من أحلامها قد تحقق بهذه الوظيفة، التي ستجعلها تتنقل بين البُلدان مثل الفراشة التي تنتقل من زهرة لأخري، أكيد ستُسعِد كُل من تقوم بضيافتهم من الركاب، يكفي إبتسامة من وجهها البشوش، فتبعث الاطمئنان والأمان لمن يُحلقون فوق السحاب راجين الوصول سالمين من كل الشرور.

يارا هاني، مُضيفة طائرة "مصر للطيران" التي تبلغ من العُمر 26 عامًا وقت سقوط الطائرة المنكوبة، كانت قد إلتحقت بالشركة منذ عام 2014، أكيد كانت تحمل طموحاتها وعشقها للحياة معها فوق السحاب، تتحدي كُل إنكسار، لتُحقق ما تريد وما رسمته لمستقبلها، ولكن لم تُمهلها الأيام، وبدلًا من أن تُحلق بها الطائرة لتحقيق أحلامها وأمانيها، غاصت بها في غياهب البحر، لقد ضحكت بها الأقدار، وسلبتها الأحلام والمستقبل والحياة، وحتى أشلاء الجسد لم يعثروا عليه ليحتفظوا به في أنبوبة للذكري!

اسم يارا يعني، المعشوق أو الصادق أو القدرة أو الشجاعة أو الصاحب، واذا نظرت في وجه يارا تجد كل هذه المعاني مُجتمعة، ترسم أيقونة جميلة لقديسة شابة، أخذها ملاك الموت لينثُرها على مياه البحر ليتجدد شبابه ولتظل مصر ولادة وباقية بأبنائها.

ظهر الفتي، الذي كانت يارا مخطوبة له وفسخوا الخطبة منذ ستة أشهر قبل الحادث، ليُبدي الندم ويعلن أنه كان ينوي الأسف ليارا عما بدر منه، ولكن ضحكت به الأقدار وقالت له فات الميعاد!

رُبما يارا كانت في إحتياج لحلم جميل، حتى ولو حلم وهمي، يجمعها بهذا الخطيبب الذي هجرها، والذي بالتأكيد أبكاها في يوم من الأيام، لُيخفف من روعة الكارثة، ولكن ضحكت بها الأقدار ولم تُعطيها حتى هذا الوهم في أحلك الظروف.

هذا هو حال الدنيا..
الدنيا غرورة يوم لك ويوم عليك..
الدنيا مثل الشمس لما تنور، تنور حياتك وتفرح قلبك، ولما تظلم، تسلبك فرحتك، وتسرق منك الحياة..
عزيزي، لا تثق كثيرًا في الدنيا، إذا أعطتك في يوم ما، أكيد ستضحك بك في يوم آخر!
الجريدة الرسمية