رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هم فقراء.. فليموتوا أو يقتلوا بلا ثمن !


ما بين الحادثتين أسابيع قليلة، ربما لا تتجاوز الشهر ولكن الضحايا في الحادثة الأولى كانوا فقراء مساكين مهمشين بلا ثمن في بلادهم، مجرد عمال سريحة صعايدة، وهم مهاجرون وراء لقمة العيش المرة لإطعام ذويهم ومن هم في رقبتهم.. أو شباب محترم يسعى لتحصين نفسه والزواج على سنة الله بعدما ضاقت به مصر بما رحبت على أثريائها وكبارها فقط.. لذا رحل هؤلاء في صمت بعدما عاشوا موتى وقتلوا بلا ثمن.. إنهم شهداء مصر من الغلابة الذين قتلوا في يد مجرمين قتلة في الشقيقة ليبيا في بلدة تسمى "بنى وليد" !


بالطبع هؤلاء لم يجدوا من يحزن عليهم أو يبكى على رحيلهم أو يسرد قصصهم المؤثرة على السوشيال ميديا أو برامج علب الليل المقززة في الفضائيات مثلما حدث في سقوط طائرة مصر للطيران القادمة من مطار شارل ديجول في باريس.. حتى وزير خارجية حكومتنا الموقرة لم يقل أكثر من كلمتين على الماشى في بيان مقتضب قال فيه إن من قتلوا كانوا مهاجرين غير شرعيين!

في ليبيا يا باشا.. هل تعرف أن كل من داس على أرض الشقيقة ليبيا من عصابات أفريقية وعمال من كل بقاع الدنيا شرعيون! حتى وإن كانوا غير شرعيين يحق عليهم الموت وبلا ثمن! ألا يساوى 16 شابا مصريا ثمن ريجينى واحد ممن سعيتم لإرضاء إيطاليا عليه ثم بحثتم عن قتيل مصرى في بلد أوروبي يشابه المأساة !

المحزن في الأمر حقًا هو تساوى رد الفعل تلك المرة بين البرجوازية المصرية التي تتفاعل بقوة على وسائل التواصل الاجتماعى وتتغنى بالوطنية حتى في الحزن والكوارث طالما كان الضحايا يشبهونهم أو يقاربونهم من حيث المستوى الاجتماعى والمادى، وهذا ما ظهر جليًا في شهداء الطائرة المصرية المنكوبة من كم التعاطف الإيجابى والمبالغ أحيانا في إظهاره وتدشين صفحات عديدة تتبنى رعاية أطفال هؤلاء الضحايا مع أن غالبيتهم من ميسوري الحال، أما الفقراء الذين يموتون في ليبيا أو أي بلد جاذب للعمالة البسيطة والفقيرة لا تجد من يتحدث عنهم !

أيهم كان أولى بهذا التعاطف أو حتى نيل جزء ولو يسير منه: فقراء بنى وليد القتلى الهمشون في جنوب مصر أم أثرياء مصر ممن يعيشون في باريس أو يعملون بها أو حتى يتنزهون هناك؟

لقد وصلنا لمرحلة قميئة يتسامى فيها الحزن على الصفوة الاجتماعية فقط أو من يتميزون عن غيرهم ماديًا أو تعليميًا ولقد رأينا من قبل من يتباكى على أن من بالسجون هم الأطباء والمهندسون! هل لو كان بجوارهم مسجون أقل تعليمًا أو حتى أميًا يحلل سجنه ولا يستحق الذكر.. ما لكم كيف تعقلون وتحزنون وتنعون وتتباكون.. إن كان ذلك كذلك فحزنكم كذب وتظاهر ونفاق وانحياز طبقى مقزز وفارغ لا علاقة له بالإنسانية مطقلا التي لا تفرق بين كبير وصغير وغنى وفقير في الموت، بل إنها تنحاز دومًا للأضعف والأفقر والأقل حظًا في الدنيا !

رحم الله كل مصرى أو عربى أو إنسان يلقى حتفه في أي حادث أو مكان بالعالم... رحم الله شهداء طائرة باريس وألهم ذويهم الصبر والسلون، ورحم الله شهداء مصر "المساكين الشقيانين" من فقراء الصعيد الذين قتلوا في بنى وليد وتغمدهم بواسع رحماته وتغمد أهليهم بالرحمة وجند لهم من يشعر بهم ويرعاهم ويتكفل بضعفائهم المساكين ممن لا يتباهون أو يتظاهرون بالإنسانية وهى منهم براء على قنوات التغييب الليلى أو على صفحات التواصل الاجتماعى أو من حكومتنا الموقرة الغارقة في إنجازات لا تنتهى !
fotuheng@gmail.com

Advertisements
الجريدة الرسمية