رئيس التحرير
عصام كامل

فاصل مزيكا سياسي مع فرنسا وإنجلترا وأنا وأنت


كما يقول المصريون.. صرنا كمن "يخرج من حفرة ليسقط في دُحْديرَة".. نتجاوز حدثا ساخنا فيداهمنا حدث جديد حتى ولو كان على سبيل "الاشتغالة".. منذ أيام كان هناك حالة غضب فرنسي من العيب في الذات الموسيقية للسلام الوطني الفرنسي.. في تقديري أن المسألة اشتغالة.. ومادامت كذلك لنسترح مع فاصل مزيكا لعله يرطب أعصابنا التي أوشَكَت على الاحتراق هي الأخرى!


أعرب الفرنسيون أصحاب الذوق الرفيع عن غضبهم لفاصل العجن الذي اقترفته فرقة الموسيقى المصرية في حق السلام الوطني الفرنسي أثناء استقبال الرئيس هولاند.

وتلك هي المرة الثانية التي يعجن فيها المصريون السلام الوطني لدولة الرئيس الضيف، وكانت المرة السابقة أثناء عزف أو "غَرْف" السلام الوطني الروسي في مراسم استقبال الرئيس الروسي بوتين.. وقتها كتبت عن وجود ما يشبه الرضا الجماعي العالمي عن أهمية أن تكون السلامات الوطنية لدول العالم من مقام دو ميجور أو دو الكبير، وهو مقام موسيقي غربي سهل، خال من الالتواءات والتقاطيع الصغيرة التي تميز الموسيقى الشرقية كالرُّبع تون،حتى يسهل على الفرق الموسيقية الحفظ والعزف في أي دولة.

من الوارد أن تخطئ الفرقة في عزف السلام الفرنسي، لكنه ليس بالخطأ الذي يدعو للعكننة أو ضياع الرقاب.. بيد أننا لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن الفرنسيين أصحاب ذوق فني رفيع لدرجة أن النشاز في جملة موسيقية قد يصيب الفرنسي بأزمة نفسية وعصبية تستدعي نقله إلى العناية المركزة.

وتبقى النصيحة أن يجري أعضاء الفرقة المصرية بروفات كافية على السلامات الوطنية الأجنبية حتى لا يفاجئونا بضرب سلام مال القمر مالُه/ماجيناش على بالُه.. على شرف استقبال ملكة إنجلترا.

ربما تسألني.. لماذا ذكرت ملكة إنجلترا مع أن العالم مزدحم بالملوك والرؤساء والزعماء والمعلمين الكبار وهم أكثر من الهم على القلب؟

بأمانة شديدة ما ذَكَّرَني بملكة إنجلترا هو أن المنحدرين من العائلة المالكة بإنجلترا، لهم نصيب كبير من الحظ الوافر والعاثر مع مطبات ومقالب الاستقبالات والمناسبات الرسمية.

أذكر واقعة دائما استشهد بها.. وهي في مناسبة بروتوكولية حدثت بهولندا أوائل القرن الماضى.. كان ولى عهد إنجلترا وشقيقته في زيارة لهولندا.. قبل الزيارة قام الهولنديون بتلقين بعض الأطفال النشيد الرسمى البريطانى الشهير "حفظ الله الملك" بالإنجليزية طبعًا وهى ليست لغة الهولنديين..وعندما نزل ولى العهد وشقيقته من السفينة، رفع الأطفال أصواتهم بالنشيد وبدلًا من أن يقولوا"god save the king" أي حفظ الله الملك، قالوا"god shave the king" أي حَلَقَ الله للملك.

مطبات البروتوكول تزداد طرافة، مع اتساع هوة الاختلاف الثقافي والسلوكي والموروث الاجتماعي.. دعك من تفاصيل البروتوكول المتبع في القصور الملكية الذي يتسم بانضباطه وحدته وشياكته، وربما يتبَسَّط الملك، لكنه تبَسُّط محسوب بمنتهى الدقة.

وتبقى المصيبة الكبرى، إذا تبسَّط وزير من آحاد الناس وخصوصًا في شرقنا العربى السعيد، تكون النتيجة حالة كوميدية تستحق التسجيل في موسوعات العجائب والطرائف النادرة.. أسوق لك مثالا دائما ما أردده.. خذ مثلًا وزيرًا مصريًا منحدرًا من أسرة رقيقة الحال من قرية (الطاهرة العورة) مركز الزقازيق شرقية، يستقبل وزيرًا فرنسيًا..لو تبسَّط وزيرُنا سيقول للوزير الفرنسى بعفوية: إحنا ناكل لقمة صغيرة الأول عشان يبقى عيش وملح..تخيل معى كيف يكون رد فعل الوزير الفرنسى الذي لا يعرف الفولكلور المصرى الفقرى؟ مؤكد سوف يتسلل إليه الإحساس بأن وزيرنا قد أصابه مَسٌّ من طراوة ولُطْف..لأن اللقمة كما فهمها الفرنسى ليست سوى قضمة من رغيف، والغموس ليس أكثر من حفنة ملح! وربما تنشب أزمة دبلوماسية بسبب الوزير.. وياحبذا لو أن الوزير الفرنسي على قدر من الصياعة فيطلب من الفرقة عزف سلام خاص: تراعيني قيراط أراعيك قيراطين/ تشوفني" بعين" أشوفَك باتنين.
الجريدة الرسمية