رئيس التحرير
عصام كامل

الداخلية بين الوسائل الخشنة والناعمة.. آه ياناعمة ياغرَيِّبة!


مازالت في الحلق غصَّة، حزنًا على كرامة نقابة الصحفيين التي انتهكت بتصرف له ألف بديل وبديل، يغنينا عن صب الزيت على النار، وتأجيج لهيب الغضب في الصدور.


أعرض بإيجاز رؤيتي لأصل المصيبة.. في ظني وبعض الظن هَجْص، أن تنفيذ أمر القبض على الزميلين من داخل النقابة بهذا الشكل الخشن، يؤكد أن في المسألة كيدًا، فشر كيد النسا.. وأنها قرصة أذُن.. ليست قرصة معتادة بالأصابع وإنما قرصة "زَرَّادية" تعقبها دماء.. وتوصيل رسالة للصحفيين فحواها إياكم والسماح باستخدام سلالم النقابة في الوقفات الاحتجاجية، أو رسالة لكل مواطن يشعر بحاجته إلى الصراخ على سلالم النقابة تقول له: هؤلاء الذين تظن أنك تلوذ بسلالمهم، ها نحن نقتحم عليهم ملاذهم و"نجرجر" أبناءَهم ونقصف أقلامهم ونستَحْيِي مخادعهم.

دعوني أعَرِّج على أحداث يوم الجمعية العمومية الأربعاء الموافق 4 مايو الجارى.. كان بالإمكان مرور المشهد دون تشويه متعمد، من خلال جلب "الحَوَش" الذين اعتدوا على الصحفيين، بجانب تصرفات بعض الضباط الذين أساءوا للداخلية.. وهنا طاف بذاكرتي مشهد مغاير تماما لما حدث الأربعاء الماضي.. المشهد عشته بنفسي أيام مبارك وكان للداخلية موقف آخر.

في الفترة التي كان فيها مقر النقابة المؤقت في أول شارع الجلاء -خلال فترة بناء المبنى الحالي بعبد الخالق ثروت- وكان المقر المؤقت بجوار قسم الأزبكية والبيت الفني للمسرح.

وقتها حدث اعتداء إسرائيلي وحشي على قطاع غزة.. فاندلعت عدة تظاهرات احتجاجا، وتم القبض على بعض الشباب.. فنظمت نقابة الصحفيين وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الذين هتفوا لنصرة فلسطين.

كانت وقفة حاشدة وصاخبة.. ثم كالعادة وصلت تعزيزات الأمن المركزي والقرمزي ومكافحة الشغب وضباط بمختلف الرتب، وأغلِقَ الشارع القصير من الناحيتين، كل ناحية بخمسة صفوف من عساكر الأمن المركزي الشداد غلاظ القلوب والشلاضيم، بكامل تسليحهم.
وقفتنا لم تتجاوز المساحة الصغيرة أمام النقابة، لكن الهتاف كان عصبيا ومدويًا.. شَكَّلنا أنا وعدد من الزملاء وبيننا الأستاذ محمد عبد القدوس خطًا فاصلا بين الصحفيين وبين صفوف جنود وضباط الأمن المركزي وقد أوليناهم ظهورنا..

وشيئا فشيئا يقترب الشباب منا ثم يعودون وهم يحملون أحد الهتيفة على أكتافهم بالتناوب.. وفجأة وقف حامل الهتيف بيننا موليا ظهره لعساكر الأمن المركزي، وفوقه الزبون الذي يقود الهتاف، وكان شابا أسمر اللون في العشرينات من العمر ليس عضوا بالنقابة، كان يهتف بحماس شديد قائلا: تحبسوا ليه المصريين/ عشان بيقولوا يافلسطين؟ / طب يافلسطين ويافلسطين.. وعند يافلسطين الأخيرة، ضَرَب سمكة بظهره في الهواء ملقيا بنفسه على عساكر الأمن المركزي.. توترنا من ذلك التصرف المفاجئ، والتفتنا للعساكر واعتذرنا للضباط على أساس أنه سقط بالصدفة متزفلطا من فوق أكتاف حامله.. فاستوعب الضباط الاعتذار، وأعادوه إلينا.

مرت نحو خمس دقائق وتكرر نفس مشهد رَمْي الجِتَت، عند يافلسطين الأخيرة يضرب سمكة بظهره فوق العساكر، وكانت المفاجأة العجيبة أن العساكر لم يحتجزوه ولم يعجنوه، بل ألقوه علينا مرة أخرى وكأنه شوال بطاطس.. وما هي إلا دقائق ويكرر نفس العَمْلة ويلقونه علينا، إلى أن انتهت الوقفة بحرق العلم الإسرائيلي.

السؤال.. لماذا لا تتعامل الداخلية مع التظاهرات السلمية الآن، كما تعامل عساكر الأمن المركزي والضباط في ذلك المشهد.. بدلا من جلب حثالة من المسجلين خطر بلطجة ودعارة يطلقون شتائم بمفردات "سكس" وقحة أمام النقابة العريقة.

وتبقى اللقطة الرئيسية.. يوم الأربعاء الشهير، مررت بشارع رمسيس، وكلما اقتربت من مدخل شارع عبد الخالق ثروت حيث نقابة الصحفيين، تصلني هتافات المرابطين على سلالم النقابة، وتعلو رويدا رويدا، وتدق الوجدان بعنف، وبينما أنا في ذروة التأثُّر، رن جرس الموبايل.. فتحت وإذا بأهل البيت يسألوني: أين أنت الآن؟ قلت أنا حاسس إني في منعطف تاريخي.. فعادوا وسألوا: يعني فين بالظبط؟ كانت جملة (في منعطف تاريخي) قد خطفت انتباه بعض "اللمامة" الذين جمعوهم وساقوهم لسب الصحفيين والتلويح لهم بأصابع الوقاحة، فرشقوني بنظرات نارية ولمحت الشر والشرر في أعينهم، فقلت لأهل البيت: أنا عديت المنعطف التاريخي وداخل على عبد المنعم رياض.. وهكذا كُتِبَت لي النجاة من مصير الزميلين خالد داوود وأبوالسعود.

أختم بالأبيات التالية: ومنين نشوف العدل ولَّلا السفينة تعوم / مادمنا فوق قلبها قاعدين لبعض خصوم / تضحك علينا الحدادى في السما والبوم.. رحمة الله عليك ياعمنا بيرم.. عليَّا الطلاق إحنا شعب مضحكة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجريدة الرسمية