رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل نكفر بمصريتنا لنريح ونستريح؟


طوال الليل، يسري هذا السؤال مني موضع الدم، منذ عرفت بنبأ القبض على مالك عدلي، المحامي والناشط الحقوقي، وأحد أبرز محركي الاحتجاجات ضد التنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير»، والذي يبدو أنه سبب صداعًا، كان يلزمه استتابة، فأرسلته رفيقًا، لمن كان يدافع عنهم بالأمس، ويجري المسافات الطويلة بين الأقسام والمحاكم لنجدتهم.


وبالفعل.. ها هو الآن في حضرة الزنازين، وبحسب ما قرأته من قائمة اتهامات طويلة، فإنه يواجه تهم: محاولة قلب نظام الحكم، وتغيير دستور الدولة، ونظامها الجمهوري، وشكل الحكومة، والانضمام إلى إحدى المنظمات التي تبغي تعطيل أحكام الدستور، ومنع مؤسسات الدولة، وسلطاتها العامة من ممارسة عملها، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، والترويج بالقول والكتابة لأغراض محل الاتهام الأول، وذلك بأحد الطرق المُعدة للتوزيع والطباعة، وإذاعة أخبار وبيانات وشائعات كاذبة، من شأنها تكدير الأمن العام!

يا الله.. كل هذه الجرائم رتب لها هذا الـ «هِرَقل»، المسمى تواضعًا مالك عدلي؟!

عموما.. لست قانونيًا لأحكم على تراتبية الاتهامات وصحتها، ولا تربطني علاقة بمالك أو أعرفه عن قرب، كي أحدد مدى ملاءمته الفكرية والجسدية، التي تشجعه على ارتكاب كل هذه الموبقات، لكني أعترف وبكل صراحة، أننا جيل مصاب بهجنة سياسية وأيديولوجية معيبة، لا تتناسب أبدًا مع المستقر والمتبع، والساكن في هذه البلاد.

نعم.. لم نتعلم بعد كيفية التأدب في حضرة القرارات، وخاصة التي تصدر من جهات أعلى، لا تخصنا، ولا نفهم فيها، مالنا نحن وتيران وصنافير، وما الذي يحملنا على مصارعة بعض الصحفيين والإعلاميين المحسوبين على النظام، في نزال مهني، سنخسره شئنا أم أبينا، ليس لأننا أو هم أصحاب حق، ولكن لأن قواعد النزال هنا، مرتبطة بالتأدب في حضرة صاحب القرار، وبما أننا لم نتعلمه بعد، فكيف لنا إذن أن نواجه مثل هؤلاء من أساطير الكوكب، وعلى حلبة يحيط بها جحافل «المواطنون الشرفاء» الذين ينتظرون أول لكمة تطيح بك داخل حشودهم، ليفترسوك، ثم يسجدوا شكرًا لله، على تخليصهم المجتمع والبلاد، من شَرك المستطير!

أعترف أن قطاعًا عريضًا من الشباب، وأنا منهم في محنة، لا نعرف كيفية التخلص منها، فلا نستطيع الخضوع، ودك رءوسنا، لنتوارى من أمواج التسميم السياسي، التي تغرق البلاد، ولا يبدو أن أحدًا سينجو منها، ولا نعرف كيف نتحول للمعسكر المسالم، المؤيد المطيع، الذي يرى في أي حاكم، سياجًا حاميًا لنا ولأهلنا ومستقبلنا، وليس مهمًا أن نقتنع، أو نرى مبررات تُصرف قبلتنا عن معارضته، المهم أن نسوغ لأنفسنا دائمًا هذه الحجة، في مواجهة شرورنا الصبيانية، التي تجبلنا على مناطحة بلهاء، قد تبيد هذا الجيل عن آخره؛ إذا ما استمر في عناده، للأجداد والآباء والرؤساء، والمواطنين الشرفاء!

نعم.. ندور في دوائر عدمية، تكرر نفسها بلا فارق يذكر، فالممارسات تعيد نفسها، والقطاع الأكبر من الشعب «يرقص ويستمتع»، واحتراقنا أمامه لن يشغله كثيرًا، بما يدفعنا دفعًا، إما لارتداء ثوب الكرادلة، والحشد للسلطة، أي سلطة، ربما يكون ذلك سببًا، في أن ننجو من غبن أيام سوداء، ترتب لهذا الجيل المكلوم، مظالم لن تنتهي، أو نعلن كفرنا بمصريتنا -التي لم نتعلمها في المدارس، أو نقرأ عنها في كتب التاريخ- ونغادر الأرض أو حتى الدنيا، ونريح ونستريح!
Advertisements
الجريدة الرسمية