رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المواطنون «الشرفاء» في مواجهة الصحفيين الشرفاء


لو أن "شريفًا" يستمد صفته من ولاء أو تبعية لحاكم أو جماعة، فنحن أمام دولة "العرف" التي أرادها الداعمون للزحف المقدس المتكررة مشاهده على شارع "عبد الخالق ثروت" منذ مايو 2005 وحتى الآن، وقوامه وجوه غابت عن مصطلحات أصحابها سمات الشرف.


مناسبة هذه الكلمات لا تتعلق بالضرورة بالأحداث الجارية أمام نقابة الصحفيين، منذ اقتحامها والقبض على زميلين داخلها في غياب عضو نيابة ونقيب الصحفيين أو من يمثله، لكنها محاولة لاسترجاع لقطات تحمل الكثير من ذكريات استخدام طرق نشر ثقافة دولة العرف والبلطجة وحماية الذات عبر الذات، أو اصطناع حرب "شعبية" بين فئات مهنية ومسلطين عليها.

هكذا الأمر في "عبد الخالق ثروت" منذ قررت عمومية القضاة الانعقاد في 13 مايو 2005 بناديهم ردًا على جور سلطة نظام مبارك على القضاء، وقتها شحنت قيادات الحزب الوطني "المنحل"، والطامحون والطامعون في مظلته بانتخابات برلمانية نهاية العام ذاته، أرباب البلطجة والسوابق مختلطين بعساكر حبيب العادلى في زي مدني، لتبدأ وقائع محاصرة عمومية القضاة واحتلال سلالم الصحفيين قبل حضور أعضاء حركة "كفاية".

وفى الخامس والعشرين من نفس الشهر تصاعد شعور "المدفوعين" بالقوة، في ظل حياد أمني سلبي، ليشهد العالم جرائم محاولات اغتصاب والتحرش بصحفيات وناشطات وسرقتهن، والاعتداء على محتجين ضد استفتاء أسود على تعديل مادتين بدستور 1971 يسمح بتمرير مشروع التوريث لاحقًا، وكانت الفضيحة أكبر لنظام فقد عقله، وسقف الإنفاق على الجريمة أعلى مما يتكرر الآن.

مشاهد الاحتجاج ضد أنظمة حكم متعاقبة، مبارك، المجلس العسكري، الإخوان، وأجهزة نظام السيسي التي تبدو بعض قياداتها وكأنها سبب في إفساد علاقات مؤسسات الدولة مع قطاعات وفئات عريضة، وسط فشل حكومي متزايد في التعامل مع أزمات اقتصادية واجتماعية معقدة، تؤكد معها سلالم نقابة الصحفيين أنها "حالة حيادية مخيفة" في استقبال مظالم الشعب، ولم تكن تظاهرات 25 أبريل الأخيرة سوى أكبر معبر عن أصعب مظلمة، أن يُعلَن عن تسليم قطعة أرض تحت سيادته لدولة أخرى لاحقًا، دون إفصاح عن أسباب واضحة أو قانونية إجراءات بعيدة عن العرض على البرلمان أو الاستفتاء.

وعادة كان الصحفيون شركاء متورطين في كل الاحتجاجات بفعل فاعل، اسمه "العرف الأمني" في التعامل مع طبيعة عملهم على الأرض بطريقة المنع والقبض، أو أن البديل الجاهز للتعامل معهم هو "المواطنين الشرفاء" إياهم، الذين يتعقبونهم بألفاظ لا علم لغير "المنحل" بها.

من هنا تستطيع أن تقرأ ملامح الأزمة التي سعت أجهزة إلى توريط النظام بافتعال أكبر لها، حينما قررت انتهاك حرمة النقابة بزعم ضبط مطلوبين داخلها، ولا أعتقد أن النيابة العامة التي تحتفظ حتى الآن بسلطتى التحقيق والاتهام، تغفل أو تتجاهل نصًا عن حضور أحد أعضائها بإذن قضائي وإخطاره النقيب للحضور أو من ينوب عنه، خاصة أن إجراء "التفتيش" سيقع بالضرورة داخل المبنى للوصول إلى الزميلين، المطلوبين قبلها بأسبوعين تقريبًا، ولشيوخ القانون التعقيب على قولنا وتصويبه.

الساعات تمر والأمور ربما تتطور لتصل حدًا كارثيًا، فمتعة عينة "المواطنين الشرفاء" الذين يباركون حرم شارع عبد الخالق ثروت بألفاظهم إياها ضد الصحفيين والصحفيات، في ظل حياد سلبي من قبل تابعين لوزير يمثل أحد أطراف الأزمة الآن، لا يكملها أو يدعمها سوى تأخر تعقيب أو تعليق الرئاسة والحكومة عليها.

ومن غير المستبعد أن يتزايد "طيش" المواطنين الشرفاء إياهم والداعمين لهم، فتتكرر مشاهد اعتداءات تتطابق مع ما جرى بحق الزميلة الصحفية الراحلة نوال على في مايو 2005، والتي انتهت التحقيقات بقضيتها إلى قرار بـ"ألا وجه لإقامة الدعوى لعدم معرفة الفاعل"، وأنصفتها المحكمة الأفريقية بحكم رائع، وقتها ستتزايد اتهامات عشاق مصطلحات "الخونة والعملاء"، للمجتمع الدولي والصحفيين مجددًا بالتآمر على البلاد.

الصمت ليس حكمة في توقيت تحترق فيه الأعصاب وتتزايد فيه الأزمات.. أيها النظام.
Advertisements
الجريدة الرسمية