رئيس التحرير
عصام كامل

مسئولية مجلس النواب


أصابتني - كما أصابت غيري - دهشة، وأنا أقرأ تصريحات السيد المستشار مجدي العجاتي، وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، التي أدلى بها لصحيفة "المصري اليوم"، والتي قال فيها: "إن البرلمان سيوافق على إعادة جزيرتي "تيران" و"صنافير" للملكة العربية السعودية"، وهو ما يمثل - على حد قول أحد السادة النواب - افتئاتا على دور المجلس وإصدارا لأحكام مسبقة بشأن قضايا مهمة وحساسة، واتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية لم تسلم إلى المجلس حتى الآن.. ولو أن السيد المستشار قال: أرجو، أو أتمنى، أو آمل أن يوافق مجلس النواب على الاتفاقية، لكان ذلك معقولا ومقبولا، فلكل إنسان الحق في أن يتبنى هذا الرأي أو ذاك، لكن ليس من حقه أن يستبق الأحداث ويصادر على رأي المجلس.


لقد أصبحت قضية جزيرتي "تيران" و"صنافير" في ملعب مجلس النواب، وهي مهمة صعبة وثقيلة، وسوف يترتب على نتائجها - أيا كانت - آثار لها ما بعدها، فالقضية فعلا ذات حساسية، خاصة من نواحي عدة، على المستوى: الشعبي، والإقليمي، والدولي.. ومن ثم أرجو أن يأخذ المجلس حظه الكامل في الوقت والبحث والدراسة والمناقشة، وألا يستعجل الخطى، حتى لا نفاجأ بما ليس في التصور ولا في الحسبان.

بالأمس القريب، ظهرت - لدى البعض - وثائق لم تكن متوافرة من قبل، فهل من الممكن أن تظهر وثائق أخرى جديدة؟! أيضا، هناك من كانوا بالأمس يقولون بمصرية الجزيرتين، لكنهم اليوم غيروا رأيهم إلى سعوديتهما.. لذا، نرجو أن يكون التعامل مع القضية، أكثر عمقا واتساعا، ونرى أنه من الضروري تشكيل لجنة متخصصة من المجلس ذات دراية وعلم وفقه في القانون الدولي، والتاريخ، والاستراتيجية، والأمن القومي، والمواثيق الدولية.. إلخ، حتى تكون على قدرة وكفاءة في إدارة وتناول مفردات القضية من كافة جوانبها.

هذه اللجنة يصب عندها كل الآراء والأفكار التي طرحت خلال الفترة الماضية، سواء ما كان منها مؤيدا للاتفاقية أو معارضا لها، مقرونة بالأدلة التي استند إليها كل من الطرفين.. واقترح تشكل لجان استماع يُدعى إليها علماء وخبراء متخصصون في كل ما يتعلق بالقضية.. بعد ذلك، تجمع كل الآراء، ومع كل رأي أدلته وحججه وبراهينه، ثم توزع على كل الأعضاء لقراءتها وفهمها على الوجه الصحيح، ويعطى الأعضاء في ذلك فترة معقولة، يدعون بعدها لمناقشة القضية في جلسات عامة، بحيث يدلي كل من يريد من الأعضاء بدلوه.

أرجو أن تكون هذه الجلسات علنية، وحبذا لو خصصت القنوات الفضائية برنامجا للمعلقين من أهل الاختصاص، حتى تكون الجماهير على بينة مما يجري.. وإذا اتضح للجميع أن الجزيرتين ملك لمصر، تصبح الاتفاقية وكأنها لم تكن، ويعتبر الأمر منتهيا.. وإذا ثبت أن الجزيرتين تابعتان للمملكة العربية السعودية، لكن السيادة عليهما كانت لمصر، طوال تلك الفترة، فها هنا يطبق نص الدستور في مادته (١٥١) التي تقول: "ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".

شخصيا، ومع حبنا وتقديرنا للشقيقة العزيزة المملكة العربية السعودية، أعتقد أنه لن يكون هناك خلاف حول ضرورة استمرار سيادة مصر على الجزيرتين، لو جاء الاستفتاء رافضا للتنازل عن حق السيادة.. إن الأسباب التي دعت مصر إلى فرض سيادتها على الجزيرتين ما زالت قائمة، ولا أتصور أحدا يقول غير ذلك.

وتبقى كلمة مهمة، وهي أننا نتمنى أن يأتي اليوم الذي نناقش فيه قضايانا بهدوء، وموضوعية، ودون تراشق بالاتهامات، وأن يترك أهل الاختصاص لأداء دورهم دون صخب أو ضجيج.. لا بأس أن تكون هناك خصومة سياسية، بيننا نحن المصريين، لكن يجب أن تكون هذه الخصومة على المستوى الحضاري والمشرف.. نريد أن نمارس الديمقراطية كما ينبغي، وأن يحترم كل صاحب رأي الرأي الآخر.. كما أرجو أن يكون الخلاف حول قضية الجزيرتين مصريا صرفا، وألا يتجاوزه إلى الإساءة للعلاقة مع المملكة العربية السعودية.. فكفى بالأمة تفرقا وتشتتا.. إن علاقتنا بالمملكة طيبة، ويجب أن تكون كذلك، وكل ما من شأنه أن يؤثر سلبا على هذه العلاقة لا بد من التعامل معه بما يلائم.. إن التنسيق والتعاون بين مصر والسعودية فيما يخص الأمن القومي العربي يجب أن يحافظ عليه.

الجريدة الرسمية