رئيس التحرير
عصام كامل

جوبلز يعود للحياة!


يجب أن يشهد العبد لله - وقد درست الإعلام ودرسته عقودًا - أن الداخلية تطبق علم الدعاية وأدواته، وكأني أرى جوزيف جوبلز الذي مات في مايو 1945 يحيا من جديد، وكأني أرى جوبلز وقد رسم خطط الإعلام الأمني في مصر. ولكن قبل الحديث عن عودة جوبلز للحياة في وزارة الداخلية، دعوني أدحض الفكرة التي تكررها بعض الأذرع الإعلامية لوزارة الداخلية. فالأذرع الإعلامية لوزارة الداخلية تتهم بعض الإعلاميين بالتهييج وزعزعة الاستقرار، وهدم الدولة، فهل صحيفة الأهرام الحكومية –ودعوني أضع تعبير قومية جانبًا– تسعى لهدم الدولة؟ الطفل في الشارع يعرف أن الصحف المملوكة للدولة والتي يشرف عليها مجلس الشورى تعبر في معظمها عن رؤية الدولة.


وما الذي جعل الصحيفة الكبرى في مصر والتي تعبر عن رؤية الدولة تنتقد وزارة الداخلية، أليست سياسات الوزارة؟ الإعلام الذي ينتقد أخطاء الوزارة هو نفسه الذي انتقد تصرفات الأمن أيام مبارك، وهو نفسه شكر للوزير محمد إبراهيم وقوفه ضد الإخوان، وعاد لينتقد حالة القبض على النشطاء، وقتل بعض أمناء الشرطة للناس في الشارع واستقواء بعض الضباط على الناس.

قالت صحيفة الأهرام إن قيادات الأمن لم يقرأو الدستور، ولكن هناك منهم من قرأ علم الدعاية بل وفاق جوزيف جوبلز. قال جوبلز "كلما سمعت مثقفًا تحسست مسدسي"، الأمن في مصر لم يقف عند تحسس مسدسه بل صار يقبض على النشطاء والمعارضين السياسيين.

نعم.. ابحثوا عن جوبلز في وزارة الداخلية، فجوزيف جوبلز منع العرض الأول لفيلم بعنوان "هدوء كامل في الجبهة الغربية" في مايو 1933، وهو الفيلم الذي كان يعرض لرواية تعترض على وحشية وسخف الحرب الألمانية، فمن الذي منع عرض فيلم “18 يوما” الذي يلخص مجموعة أفلام قصيرة عن ثورة 25 يناير؟ ومن الذي تحسس مسدسه وألغى ندوة الدكتور عصام حجي؟
وزارة الداخلية تطبق أدوات علم الدعاية من خلالها مباشرة أو من خلال أذرعها الإعلامية. ومن هذه الأدوات تكنيك: تجاهل القضية أو السؤال Evading/Ignoring the Question وتحاول وزارة الداخلية من خلال هذا الأسلوب أن تقنع الشعب المصري بأنها لا تعرف عما يتحدث الإعلاميون عندما يقولون إن ما يحدث من حالة اعتداء وقتل للناس هو ظاهرة..

فتتظاهر وكأنها لا تفهم ولا تعرف عن أي ظاهرة يتحدث الإعلاميون.التكنيك الثاني هو أسلوب البطاطس الساخنة أو Hot Potato فالأذرع الإعلامية لوزارة الداخلية تقوم على محاولة إقناع الناس بأن ما يفعله الصحفيون هو مجرد جزء حرب إعلامية على الدولة وأجهزتها لحسابات مختلفة.

أما الأسلوب الثالث فهو أسلوب "أقل الشياطين" Least of Evils وهو أسلوب تبريري تتبناه أجهزة الأمن لإضفاء قانونية على القبض العشواء، ملاحقة النشطاء، فالقبض عليهم- وإن كانت أجهزة الأمن تتأسي وتتألم-أفضل من تركهم يبثون أفكارهم، فالعقل المصري لا يتحمل غير الأفكار التي تتوافق مع النظام.

يرتبط الأسلوب السابق بالأسلوب الأكثر شيوعا هو نشر الخوف أو Fear على الدولة من الانهيار، فيتم نشر فكرة أن "مصر في خطر" وأن الجميع "يتآمر عليها" وأن "هناك مؤامرة داخلية" وأن "المؤامرة دولية" وأن "أمريكا ضد مصر". فماذا عسى الناس أن يفعلوا وهم يسمعون إعلاميين يبثون الخوف لإقناعك أن "كفر طهرمس وأبو النمرس" يتآمران على مصر وأن عليك أن تختار؟

ومع هذه الأساليب وغيرها من أساليب الدعاية زاد إحساس الناس بعدم الأمان، وزاد الإحساس بخنق الحرية. لم يعد الأمر يتعلق بفئة من فئات الشعب أو قطاع ما من قطاعاته، فالإعلام المصري هو نبض الشارع وإذا قال الإعلاميون والصحفيون أن هناك انتهاكا للقانون، وللحريات ولحقوق الإنسان، فهم لا يساهمون في هدم الدولة بل يحاولون تصحيح مسار وزارة الداخلية، التي تأبي أن يتهمها أو ينتقدها أحد، لأنها هي الشعب، أو لأنها تعرف أكثر من الشعب الجاهل والغارق في أحلام الديمقراطية التي لا زالت بعيدة، بعيدة، حتى إسألوا الرئيس؟!.
الجريدة الرسمية