رئيس التحرير
عصام كامل

اقتحام «الصحفيين» يكشف صراع الأجهزة لإسقاط الدولة!


إذا كان اقتحام أفراد من وزارة الداخلية لـ«نقابة الصحفيين» يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون والدستور، وجريمة متكاملة الأركان، وفضحية عالمية مدوية؛ إلا أننا لا يمكن إغفال الجانب الإيجابي لهذا الاقتحام، والمتمثل في فضح التصرفات الخرقاء لبعض الأجهزة السيادية، التي -بأفعالها غير المسئولة- تؤدي إلى انهيار الدولة وسقوطها.


نعم هناك مسئولون في أجهزة سيادية «يتفننون» في تقدم البلاد إلى عهود التخلف والجهل، والقمع، وتكميم الأفواه، ويتسارعون في تقديم المدد، والعون، والأسلحة، والذخيرة لأعدائنا ليقتلونا بها، ونحاسب جميعًا على أخطائهم، وكوارثهم، وندفع ثمنًا سياسيًا محليًا، وإقليميًا، ودوليًا، لتصرفاتهم الرعناء، وتصريحاتهم المتضاربة.

لنبدأ أولًا برئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، فجميعهم افتقد الحس السياسي، ولم يستشعروا خطورة الموقف، ولم يدركوا تداعياته، ولم يحسبوا عواقبه.. السيسي، وشريف إسماعيل، وعلي عبد العال «التزموا الصمت» في وقت كان «الكلام» أفضل من الذهب، والحكمة تقتضي توضيح الأمر، والتدخل لاحتواء الأزمة قبل تفاقمها بهذا الشكل.

أما «الداخلية» فحدث ولا حرج، فقد أرادت الوزارة إقحام «النيابة العامة» في واقعة الاقتحام، بزعم تنفيذ إذن وقرار ضبط وإحضار الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا.. لكن النيابة «برَّأت» نفسها، ونفضت يدها من الواقعة، وقالت إن قرار الضبط والإحضار صدر بناءً على «تحريات المباحث»، التي قالت إن الزميلين معهما «أسلحة، وقنابل مولوتوف»، و«يحرضون على التظاهر وقلب نظام الحكم»؟!

الداخلية تمسكت بموقفها؛ خاصة بعد تصاعد اتهامات الصحفيين لها بانتهاك القانون والدستور، وأرادت تجديد إقحام النيابة العامة في الأزمة بزعم أن «إذن الضبط والإحضار قانوني 100%»، وأن الإذن يتضمن القبض على الزميلين «من أي حتة»! لكن النيابة -مجددًا- قطعت الطريق على الداخلية، وأكدت أن أمر الضبط والإحضار كان متعلقًا فقط بـ«محل سكن المتهمين»، ما يعني أن اقتحام النقابة جريمة لم تأتِ بها أسوأ الأجهزة القمعية السابقة.

الداخلية مازالت تتمادى في غيها، وعنادها، وتكبرها، مشددة على أنها «تنفذ القانون»، وتحاول -عبر رجالها، وأبواقها الإعلامية- تأجيج وشحن الرأي العام ضد الصحفيين، والترويج لفكرة أنها يريدون أن يكونوا فوق القانون؛ وهو ما ظهر جليًا في تصرفات بعض «المواطنين الشرفاء» أمام النقابة، وفي حماية كاملة من الضباط وأفراد الشرطة!

وبالمناسبة، فإن الصحفيين أول مَنْ يكرس لفكرة دولة القانون، وتنفيذه على الجميع دون استثناء؛ وفقًا لضوابط الشرعية الدستورية.. لكن إذا كانت الداخلية -كما تزعم- جادة في تنفيذ القانون بهذه الهمة والنشاط، وبهذا العدد الضخم من الأفراد، فأين كانت هذه الجدية عندما وقفتْ مشلولة، ولم تنفذ قرار النيابة بضبط وإحضار رئيس نادٍ شهير، كان يختبئ في منزل قاضٍ قريب له لمجرد التذرع بـ«حصانة منزل القاضي»؟ ولماذا تقاعست عن تنفيذ نفس القرار ضد أحد الإعلاميين الموالين لها، بل سمحت له بالسفر إلى الخارج؛ لتغطية جولة الرئيس؟!

وإذا كانت الداخلية تحاول تأليب الرأي العام، وخاصة «المواطنين الشرفاء» ضد «الصحفيين».. وتحاول أيضًا تشويه الزملاء في صاحبة الجلالة، بتسليط الضوء على بعض «التجاوزات الفردية»؛ فإننا نؤكد أننا معشر الصحفيين شأننا شأن أي جماعة، منا الصالحون ومنا دون ذلك.. لكن، وللحقيقة وللتاريخ، لم نكن نحن الذين تورطنا في مجزرة بورسعيد بإغلاق أبواب الاستاد على الجماهير.. لم نكن نحن الذين تورطنا في التعامل مع عصابة «الدكش» في الجعافرة مقابل حفنة أموال نظير تسريب تحركات زملائنا، حتى ولو كان الثمن أرواحهم..

لسنا نحن الذين تسترنا على المجرمين، والإرهابيين، وتجار المخدرات، وتسليم رقاب زملائنا للقتلة والسفاحين.. لسنا نحن الذين نقتل المواطنين بسبب الخلاف على الأجرة، أو لأولوية المرور، أو عدم دفع ثمن كوب شاي.. لسنا نحن السبب في أزمات المرور.. ولسنا نحن الذين ورطنا الدولة في أزمة جوليو ريجيني.. ولسنا نحن الذين تسببنا في حالة الانقسام بسبب «صنافير وتيران»!

الأهم من هذا كله أن الصحفيين ليسوا كبعض قيادات الداخلية، الذين أرسلوا للزملاء «بيانًا» بالخطأ، يتضمن خطة الوزارة «اسرية» للتصعيد ضد الصحفيين، وتشويه صورتهم، من خلال الاستعانة ببعض رجالها من اللواءات السابقين، وتحريض الرأي العام ضدهم، وتصوير تمسك النقابة بموقفها على أنه «مصالح انتخابية ضيقة»!!

إن المذكرة «السرية» التي أرسلتها الداخلية بالخطأ للصحفيين، ذكرتني بـ«حزلقوم»- الفنان أحمد مكي- في فيلم «لا تراجع ولا استسلام»، عندما سجل اسم تليفون الضابط- ماجد الكدواني- الذي كلفه بالمهمة بـ«سراج مهمة»!
الجريدة الرسمية