رئيس التحرير
عصام كامل

قلعة «طغلق أباد» في دلهي «تحفة فنون العمارة العسكرية»

فيتو

يعرض الدكتور محمود رمضان، خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية، موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن قلعة طغلق أباد في دلهي.. تحفة فنون العمارة العسكرية، بقلم الدكتور أحمد الصاوي، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية، في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه.


يقول الدكتور الصاوي:
على مقربة من نيودلهي، وبعيدًا عن ضفاف نهر جمني المقدس، تقع أطلال ضخمة لأحد أهم الآثار الإسلامية في تاريخ الهند، إنها بقايا قلعة طغلق أباد التي قام بتشييدها السلطان المملوكي غياث الدين طغلق، خلال ست سنوات تمتد من عام 1321 م إلى عام 1327 م.

والحقيقة أن زائر تلك الأطلال التي تحتل منطقة طولها 12،5 كم، وعرضها 4،8 كم، سيصاب بالدهشة من هذا الوقت القصير الذي استغرقه بناء طغلق أباد، والتي أراد بها السلطان، غياث الدين طغلق، أن تكون مدينة ملكية لنخبة الحكم، وقلعة دفاعية في الوقت ذاته، يتحصن بها هو وجنوده إذا ما طرق البلاد عدو من المغول أو الأفغان، ولعله تأثر بالأفكار الدفاعية التي كانت سائدة في بلاد الشام خلال حقبة الحروب الصليبية، عندما كان الأتابكة يعنون بتحصين المدن بأسوار دفاعية، تتقدم القلعة الحصينة التي تمثل خط الدفاع الأخير.

تخطيط المدينة
ونرى انعكاس هذا الفكر العسكري واضحًا في تخطيط المدينة الملكية إذ تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما المدينة والقلعة، ولكل قسم منهما أسواره الدفاعية الخاصة به.

وشيدت أسوار حول المدينة يتراوح ارتفاعها بين 10 أمتار و15 مترًا، بينما القلعة التي شيدت فوق تل صخري يرتفع بمقدار 15 مترا عن مستوى المدينة محاطة بسور أوثق دفاعيًا يصل ارتفاعه إلى 30 مترا، ويصل سمك الأسوار الدفاعية إلى 10 أمتار، وكانت هناك ثلاثة خطوط دفاعية متتالية عن طغلق أباد.

وتشير الروايات التاريخية إلى أن غياث الدين أمر بوقف العمل في جميع الأعمال المعمارية في مملكته، ووجه عمال البناء جميعًا للعمل فقط في تشييد مدينته الحصينة، وربما استخدم بعض السخرة لتسريع وتيرة العمل، وعلى الرغم من ذلك فقد هجرت المدينة بعد سنوات قليلة من وفاة محمد بن طغلق سنة 1351 م.

وطبقًا للأساطير الشعبية المعروفة في دلهي، فإن هجرة آل طغلق المدينة الحصينة كان نبوءة للصوفي الشهير نظام الدين، الذي قال تعليقًا على تعطيل طغلق لأعمال البناء بالمملكة وحشر العمال للعمل قسرًا فيها: «إنه ربما بقيت هذه القلعة من دون سكان ليتجول فيها الرعاة، وهو ما حدث بالفعل طيلة سبعة قرون لاحقة»، وإن كان الراجح أن المدينة، فقدت أهميتها بسبب تغيير فيروز شاه لاحقًا لموقع دهلي العاصمة، وتشييد أحيائها الملكية، لتطل لأول مرة على نهر جمنى المقدس.

مثمن حصين
وصممت طغلق أباد على هيئة مثمن حصين بأسواره 25 بوابة لم يبق منها سوى ثلاث بوابات اليوم، ويعتبر الجزء السكني فيها أول محاولة كاملة الشروط لتخطيط المدن في الهند، إذ يتميز بشبكة طرق منظمة، على أساس أن تصل الطرق الرئيسية بين كل بوابتين متقابلتين، وأن تمتد فيما بين الشوارع الرئيسية شوارع أقل اتساعًا على أساس من تخطيط شبكي محكم.

وزودت المدينة ببئر ضخمة، حفرت في الجهة الجنوبية، فيما بين دعامات حجرية تنتشر بين التلال وتغذيه 7 خزانات ضخمة لمياه الأمطار.

أما القسم الخاص بسكن الملك وحواشي البلاط، فكان يقع في الجانب الغربي من القلعة والغرف والممرات المعقودة في هذا القسم محاطة بأسوار دفاعية أيضًا، وفي قلبه يقع القصر الملكي الذي أجريت به حفائر فيما بين عامي 2001 و2004م، وأثبت علماء الآثار أن هذا القصر شيد على مرحلتين خلال عهد غياث الدين طغلق، وكان يتصل بجزء آخر له أسوار عالية، مع وجود قناة ماء فوقها، مما يعني وجود نظام دقيق لتوزيع المياه داخل القصر.

خندق مائي
والقلعة كانت محاطة بخندق مائي دفاعي، يشكل بحيرة داخلية، وشيد ضريح غياث الدين طغلق على جزيرة صغيرة في قلب تلك البحيرة، وكان هناك ممر تحت الأرض مغطى بقبو معقود، يصل ما بين القلعة والمقبرة، ولكن هذا الممر مسدود الآن.

وشيد بداخل القلعة برج مراقبة دفاعيًا، لا تزال بقاياه قائمة إلى اليوم، لتُحدث عن ضخامته وارتفاعه الشاهق، قبل أن تتداعى جدرانه، ويتحول إلى ركام هائل من الأحجار.

وروعي في تشييد طغلق أباد أنها صممت لمواجهة أخطار التعرض لحصار طويل، ففضلًا عن الأسوار الدفاعية المتعاقبة ضمنت المدينة مصدرًا كافيًا من المياه عبر البئر الضخمة، وخزانات مياه الأمطار، بحكم بعدها عن النهر، كما زودت كل كتلة مدخل بمجموعة من الغرف الدائرية، يتراوح عددها بين 4 أو 6 أو 8 غرف، كانت تستخدم لتخزين الحبوب، وذلك لتأمين إمدادات الغذاء لوقت طويل من الحصار.

ويعتبر ضريح غاث الدين طغلق أهم أجزاء المدينة التي احتفظت تقريبًا بمعالمها الأصلية كاملة، ويعد الضريح علامة مهمة في تطور بناء الروضات في الهند الإسلامية، وقد تم تشييده في عام 1325 م.

الجريدة الرسمية