رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الصحفيين.. بين الصراحة ودفاع السيسي عن دولته!


نبدأ من الأخير حتى نجيب سريعا على الأسئلة العاجلة.. من حق الكثيرين أن يكونوا غاضبين من نقابة الصحفيين؟ نعم من حقهم.. فلا يوجد مصري حقيقي يقبل بالهتاف ضد جيشه وبتكرار متعمد من مكان واحد ويقود الهتاف أكثر الناس كراهية عند المصريين ويفتقدون أي قبول جماهيري أو شعبي إلا في دوائرهم وحلقاتهم وبما لا يزيد في أفضل الأحوال عن الآلاف!


السؤال الثاني: هل صحيح كما يشاع أن الصحفيين فوق القانون؟ بكل ما أوتينا من قوة نقول هذه أكذوبة كبرى يروجها أعداء الصحافة- وسنقول لكم في السطور التالية من هم أعداء الصحافة- فملخص هذه الأكذوبة يقول إن كل دساتير العالم وقوانينه وأعرافه وخصوصا في المجتمعات الحديثة أن الصحافة واحدة من أدوات الشعب في الرقابة على سلطات وأجهزة الدولة.. وبالتالي فهي مكلفة بكشف الفساد والانحراف وعمليات إهدار أموال الشعب واستغلال النفوذ وهي فيها كلها تنوب عن الشعب ولذلك سميت السلطة الرابعة لأنها سلطة الرقابة الشعبية المباشرة ولذلك يمنح الصحفي حصانة نسبية للقيام بذلك فقط.. فقط..

أي فيما يخص النشر وحده وليس كما يصورون للعامة أنها حصانة في أي شيء وفي مواجهة أي شيء.. والسؤال: هل هذه الحصانة تمتد إلى غير الصحفيين؟ نعم بكل تأكيد.. فمثلا.. مواطن اضطهد في عمله وأرسل شكواه إلى إحدى الصحف.. فهذه تعتبر عملية نشر يحميها القانون.. أو مواطن تعرض للنصب أو شخصية عامة كتبت مقالا يهاجم لصوصا أو فاسدين هم أيضا تحميهم قوانين النشر وبالتالي فالقانون هنا لحماية المجتمع وحرياته وليس للصحفيين وحدهم ولكن لكون الصحفيين هم من يمارسون النشر على الدوام فشن أعداء الصحافة هجومهم عليهم تحت الحجة السابقة وبما أساء فهمه الكثيرون!

من هم أعداء الصحافة: هم كل فاسد فضحته الصحف وكل مهمل وكل مستغل وكل متجاوز في حق الناس وأموالهم وأملاكهم العامة.. سيقول أحدهم وعندما يخطئ الصحفي لماذا تدافعون عنه وتحاولون عدم إنفاذ القانون عليه ؟ نقول: هذا غير صحيح.. أما يكون الحرص على الحرية وليس على الصحفي وبالتالي فلا تحدث أي احتجاجات لو كانت الاتهامات بعيدا عن النشر بشكل عام كاتهام الصحفي بالسرقة أو الابتزاز أو الاختلاس أو القتل !

السؤال الآن: أليس من حق الداخلية القبض على من صدر ضدهم أمر ضبط وإحضار؟ نعم من حقها.. لكن تعال.. ما هي التهمة أصلا؟ لو كانت تهمة تخص النشر والكتابة فالقانون يمنع- القانون يمنع منذ سنوات طويلة جدا- استدعاء الصحفيين في قضايا النشر- نكرر في قضايا النشر- إلا عن طريق نقابتهم ويلزم المحقق بأن يتم إخطار النقابة وليس العضو وقبل التحقيق بـ48 ساعة على الأقل ويلزمه أيضا بحضور أحد أعضاء مجلس النيابة للتحقيق كإجراء يدعو للاطمئنان على سير الإجراءات والتحقيقات..

أما إن كانت التهمة لا علاقة لها بالنشر فهنا الأمر يختلف.. وحتى اللحظة لا نعرف التهمة.. بل إن التصريحات المتداولة لا يصح أن تذكر أصلا من أنه مطلوب القبض عليهم لاعتراضهم على موضوع تيران وصنافير وهنا نسأل: أي تهمة هنا والاعتراض السلمي مكفول لكل مواطن؟ هذا تصريح غريب يسيء للدولة أكثر مما يفيد..

السؤال: هل الغضب ذاتي وله علاقة بشكل وأوضاع الصحفيين؟ نقول: إن كان الأمر كذلك فما سبب غضب كل الأحزاب والهيئات والمنظمات الأخرى؟ وعلى رأس أغلبها مؤيدون منحازون للرئيس السيسي؟ وكاتب هذه السطور أحد المنحازين تماما للرئيس السيسي؟ إنما الصحيح أن الدول الحديثة استقر الأعراف فيها على حصانة عرفية للمؤسسات المدنية وأولها النقابات والهدف أن تتمكن من أداء عملها في أمان وفي احترام موثوق فيه.. وهذا ينطبق على كل النقابات والأندية والأحزاب وهو ليس اختراعا لمصر وحدها!

السؤال: هل معني ذلك أن نقابة الصحفيين لم تخطئ؟ نقول: العكس تماما..الأخطاء بالجملة.. من تعمد الدفاع عن متهمين في غير قضايا النشر ومنهم متهمون في أحداث عنف في رابعة مثلا ومنحه غطاء صحفيا بالمخالفة للواقع قبل القانون، حيث أغلبهم غير أعضاء في نقابة الصحفيين ولا يجوز تبني قضاياهم نقابيا وتصوير الأمر للمجتمع باعتباره يخص النقابة ويخص الرأي والتعبير وهو لا هذا ولا ذاك كما أن لعمرو بدر وموقعه تجازوات قاتلة لكن لا يمكن الحديث عنها الآن في ظل الأزمة..

أخطاء أخرى كثيرة أفقدت النقابة شعبيتها وأثرت على شكل الصحفيين كل الصحفيين..ولكننا الآن أصبحنا في الحدث الأهم وهو اقتحام النقابة.. عندما ننتهي منه نحاسب أنفسنا.. وهنا سيقول أحدهم: ولماذا لم تحاسبوا أنفسكم قبل الآن ؟ نقول: الغضب داخل الصحفيين عارم والدليل عليه عدم تلبية دعوة الجمعية العمومية ثلاث مرات متتالية وهو استفتاء مباشر على الأوضاع داخل النقابة.. ومع ذلك كل الغائبين ستجدهم في الجمعية العمومية الطارئة نظرا للغضب مما جرى ولوحدة الصحفيين المعتادة عند الخطر.. كما أن التغيير في النقابة تحكمه قواعد صارمة ومحددة..

الأهم: أحداث نقابات الصحفيين صداها كبير جدا في الخارج.. تفوق حتى مؤامرات الإخوان وإعلامهم وتحالفاتهم.. وجربها الصحفيون مرارا.. وكلها دائما تنتهي في مصلحتهم فالضغوط ستكون حتى من داخل الدول التي تدعم مصر وتؤيدها..ل أنها مسألة مبدأ وثوابت وهو ما نقبله ولا نريده وكنا في غنى عن ذلك كله.. وقد حاول الرئيس مبارك تمرير قانون للصحفيين وقبل أسبوع كان قد ألغاه وتراجع رجاله بشكل مخجل.. ونحن لا يرضينا أبدا أن يحدث للنقابة اقتحام واحد ووحيد طول تاريخها فيكون في عهد الرئيس السيسي.هذا لا يليق به ولا نقبله له واعتقادنا أنه هو نفسه لن يقبله!

ما الحل إذن ؟ الحل في تدخل عاجل ومباشر من الرئيس السيسي نفسه.. يدافع بها عن شكل الدولة المدنية الحديثة التي وعد المصريين بها.. حيث نظام سياسي متحضر يجمع الحكومة والمعارضة تعمل فيه النقابات والأحزاب بشكل مستقل وآمن وحرية الصحافة فيه مكفولة وانتخاباته نزيهة وحقوق الناس مصونة وقضاؤه مستقل وفصل حقيقي بين السلطات ودستور مرجعيته للجميع.. خلاف ذلك فلن نبني أبدا دولة حديثة..

سيقول أحدهم هل ترضيك تجاوزات الإعلام ؟ نقول: إننا أول من يرفضها بل ويهاجمها ويحاربها ولكن لذلك حديث آخر طويل ربما كانت الصراحة فيه مريرة إنما الآن فقد تسبب من صنع الأزمة بحسابات غير دقيقة في أن يجعلها القضيه الأولى على جدول أعمال الجميع بما فيهم الرئيس السيسي والتي نتوقع أنه سيحلها بنفسه بعد أن تسبب من تسبب في أن نبدو أمام العالم أننا رجعنا كدولة بدائية لم تنل حظا من الحداثة والمدنية بأي صورة من الصور !!
الجريدة الرسمية