رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الشورى في مؤسساتنا


لا شورى حقيقية بدون حرية.. وقد جعلت الشورى في الإسلام لتوسيع دائرة الرأي وتبادل الأفكار والأطروحات، ولا يمكن أن يدلى إنسان بدلوه في قضية ما إلا إذا توافرت أجواء الحرية، أي إتاحة الفرصة للاختيار بين البدائل، فإذا لم تكن هناك بدائل، فلا حرية ولا شورى.. كما أن الحرية تمكن الإنسان من أن يقول رأيه دون خوف أو مساءلة أو محاسبة..


وليست الشورى عملا اختياريا للحاكم أو المسئول، عمل بها أم لا، لكنها أصل من أصول الإسلام، وهى أيضا من أهم قواعد الديمقراطية.. قديما كانت الشورى مُعلِمة، أي للحاكم أن يستطلع آراء من حوله، ثم هو الذي يختار الرأى الذي يراه مناسبا أو ملائما، بغض النظر عن الإجماع الذي حازه هذا الرأى أو ذاك.. لكن الشورى في العصور الحديثة لا بد أن تكون ملزمة للحاكم، بمعنى أن الرأى الذي يحوز الأغلبية وتجتمع حوله الآراء، هو ملزم للحاكم وعليه أن يعمل به..

ولأن القضايا تختلف حسب نوعيتها وماهيتها، بمعنى أن هناك قضايا عامة يمكن أن يشترك الجميع، على اختلاف ثقافاتهم، في مناقشتها وتناولها، وهناك قضايا خاصة لا يصلح معها إلا أهل الاختصاص في هذا العلم أو ذاك، وهكذا.. وقد سميت سورة في القران باسم الشورى لما لها من أهمية قصوى في حياة المسلمين، فقال تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى: ٣٨)..

وفى الآية ١٥٩ من سورة آل عمران، قال جل وعلا: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله أن الله يحب المتوكلين"، فانظر رحمنى الله وإياك كيف أنه سبحانه أسبغ على الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة منه جعلته قمة في اللين والرحمة والرأفة بأصحابه، ولولا هذا لانفضوا من حوله، وطالبه بالعفو عنهم إذا صدر منهم ما يغضبه وأن يدعو لهم بالمغفرة، مع ضرورة أن يأخذ رأيهم فيما تُجرى فيه المشاورة، وليكون ذلك سنة تستن به الأمة من بعده، فقد روى عنه أنه قال: "أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتى، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا، ومن تركها لم يعدم غيا"، أخرجه البيهقى وابن عدى..

إن العمل بالشورى على نحو صحيح يقي المجتمع من الزلل ويعصمه من الوقوع في الخطأ، فضلا عن أنه يمكنه من الوصول لأفضل الآراء وأكثرها ملاءمة.

دون الدخول في تفاصيل الملكية والسيادة، من الواضح أن الشورى في مشكلة جزيرتي "تيران" و"صنافير"، لم تأخذ حظها بالشكل الكافي.. ويبدو أن الرئيس لم يكن يتصور أن المشكلة سوف يكون لها هذا الصدى الواسع من ردود الأفعال.. وهذا في حد ذاته مشكلة.. نعم، يعتمد الرجل على شعبيته الواسعة والثقة الكبيرة التي يتمتع بها لدى الشعب، لكن هناك من القضايا ما يحتاج إلى توطئة وتهيئة، وفى الوقت ذاته إلى شفافية ومصارحة، وفى وقت مبكر حتى يكون الشعب على بينة مما يجرى..

وفى تصورى، لو أن الرئيس تناول هذه القضية في حوار أوسع مما كان، حيث تتنوع الأفكار والآراء، لما كانت ردود الأفعال على هذا النحو.. سوف يستمر الصخب بخصوص الجزيرتين فترة ما، تقصر أو تطول، حتى بعد خروج الرئيس وحديثه إلى الناس بالكيفية التي شاهدناها.. ومن المؤكد أن هناك من سيكون مقتنعا، ومن سيكون غير ذلك.. وهذا طبيعى وبديهى.. لقد كان هناك خطأ من البداية في كيفية التعامل مع المشكلة، وعلينا أن نتعلم حتى لا نقع في أخطاء مرة أخرى..

أعود فأقول: لا بد أن تكون الشورى في مثل هذه القضايا وغيرها هي وسيلتنا، وأن يكون المستشارون عددا معتبرا من أصحاب الرأى والفكر؛ في الإستراتيجية، والقانون الدولى، والتاريخ الحديث، والأمن القومى، والمواثيق والمعاهدات، والاجتماع السياسي.. إلخ.

وأن تجرى الشورى في جو من الحرية والشفافية، ثم تعرض النتائج على مجلس النواب ليرى فيها رأيه، وان كانت المسالة في حاجة إلى استفتاء، فليكن، ولتأخذ وقتها ونصيبها، حتى نكون على بينة مما نحن مقدمون عليه.. أن الالتزام الكامل بما ينص عليه الدستور - في هذه القضية وفى غيرها - هو السبيل الذي يجلب الثقة والتقدير والاحترام، ولله الأمر من قبل ومن بعد..
Advertisements
الجريدة الرسمية