رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الإجابة عند سيادة اللواء


بالطبع، الكثير منا هذه الأيام يتحسس قلمه وهو يكتب ويفكر كثيرًا في تأثير مقاله على مزاج السادة المسئولين في الدولة أو صبيانهم من رافعي القضايا المتطوعين ضد أي قلم يشتبه في انتمائه للمعارضة غير الموجودة فعليًا أو تنظيميًا في مصر، ومع ذلك ورغم التهديد بالسجن أو الاعتقال أو الغرامة، فإن غواية الكتابة عن الحق أقوى بكثير من الخوف من السجن والغياب عن الأبناء والأصدقاء وحواري المحروسة!


واليوم وليس بعيدًا عن قضية تيران وصنافير التي تمثل بعدًا رئيسًا في مفهوم الوطن والوطنية والسيادة المصرية، نجد الدولة المصرية تعزز سيادتها وتجد مخرجًا لها من أمور كثيرة محرجة بالبحث وبشدة عن مقتولين لها في كل بلاد العالم.. ولكن ليس أي عالم يا سادة، فالعالم الغربي يختلف كثيرًا عن العالم العربي أو الإفريقي أو حتى الآسيوي، قتيل هناك يساوي ثقله ذهبًا، قتيل لنا هناك كفيل بالمساومة عليه سياسيًا والضغط على إيطاليا وأمريكا وأي دولة تلاعبنا بملف حقوق الإنسان وقضية مقتل ريجيني أو ما شابه، «أما لو كان قتيلنا المصري مرميًا في أي دولة تانية، فمع ألف ستين سلامة وبركة يا جامع وأنتم مش بني آدمين أصلاً». 

قد تندهش من اللفظ الأخير ولكن هذا ما استرجعته وأنا أكتب المقال عندما تذكرت السيد اللواء ضيف المذيعة الجميلة والمذيع الشاب الوسيم وهو يقول لها بكل حزم ويقين وإيمان وعقيدة راسخة: (لا أنتم مش بشر، أنتم تشتغلوا وبس والحكومة والرئيس يقرر لكم).. بكل بساطة وأريحية وصدق، لخص الرجل الواقع المصري بكل مفرداته وجوهره الأساسي القائم عليه، ليس فقط منذ حركة يوليو أو حتى منذ عهد محمد علي، بل منذ مجىء المماليك العبيد الخصيان والأغوات الذين تحكموا في أسيادهم من الشعب المصري وحولوه لعبيد وخدم لهم!

قد تندهش من أن سبب هذا الحديث الصريح المقنع من سيادة اللواء كان اعتراض المذيعة على قضية تنازل الحكومة عن صنافير وتيران للسعودية.. هنا هبّ اللواء الكبير وشخط في المذيعة نافيًا فكرة إعطاء الحق لأي كائن مصري أن يعترض، لا لإنكاره الاعتراض بل لأننا ببساطة جميعًا "مش بني آدمين".. يعني لسنا بشرًا، لم نصل حتى لمرحلة العبيد البشر، حاجة أقل بكثير، كائنات تعمل وتطيع وتنفذ وإن أبت فلها الكرباج أو السجن أو كلاهما.. أنت وحظك يا جميل.

لذا يتناقض هذا كثيرًا مع اهتمام الخارجية المصرية هذه الأيام بالبحث عن أسباب مقتل شاب مصري في أمريكا أو حرق آخر في بريطانيا، أو مقتل ثالث في إيطاليا قبل حادثة مولانا ريجيني بشهور طويلة.. هل تهتم بهم وزارتنا من منطلق وطني قوامه الغيرة عن مواطن مصري لقي مصرعه في بلاد الغربة أم من منطلق أن لا تعايرني وأعايرك، القتل طايلني وطايلك!

جميل جدًا وعظيم ورائع وإنساني موقف الخارجية من هؤلاء القتلى في بلاد الفرنجة.. لكن ماذا عن القتلى في بلاد العرب الأشقاء في ليبيا وتحديدًا في بلدة بني وليد، حيث تم قتل 16 مصريًا على الأقل هناك وبدم بارد ولم نر تحركًا على مستوى الحدث. 

هل لأن هؤلاء عمال غلابة وليس لهم من يتحدث باسمهم في الإعلام أو يطالب بحقهم؟ هل لأنهم فقراء أبناء فقراء أحفاد فقراء لطمتهم الدنيا وانتهت بهم قتلى غرباء مساكين في بلاد قاسية تدعي الإخوه لهم؟ هل لأنهم قتلوا وهلكوا في بلاد ليس لها تأثير دولي في القرار وأضعف منا ولا تستطيع أن تلاعبنا بأوراق مثل حقوق الإنسان والحريات وتلك الكلمات الموجعة لنا؟ هل لأنهم بلا قيمة عند الحكومة والنظام؟ 

الإجابه عند سيادة اللواء الذي نفى صفة الآدمية عن الشعب كله وجعله مجرد آلة عمل تنفذ وتطيع وإلا...، الإجابة عند كل من غيب المواطنة عن المصريين منذ عهد المماليك والعثمانيين لعن الله الظلمة منهم، الإجابة عند كل متجبر متغول في سلطته حتى وإن كانت في مستوى مندوب شرطة أو أمين شرطة يسيء للشرفاء من زملائه، الإجابة عندكم جميعًا متى احترمتم آدميتكم ومصريتكم ولم تتهاونوا في حقكم في المساواة والمواطنة.. الإجابة يعلمها الجميع ولكنه يخفيها ويهدر معها حقوق وطن ومواطنين.

fotuheng@gmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية