رئيس التحرير
عصام كامل

نص استقالة السفير يحيي نجم ردًا على بيان وزارة الخارجية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

نشر السفير يحيى نجم ، القائم بأعمال السفارة المصرية فى فنزويلا السابق ، نص إستقالته اليوم الجمعة من منصبه التى قدمها منذ عشر سنوات للسفير أحمد أبو الغيط ، وزير الخارجية الأسبق عقب بيان وزارة الخارجية التى نفت فيه ،أن "نجم" شغل هذا المنصب، وأنه كان فى مرتبة أقل دبلوماسياً، وذلك على خلفية احتجازه من قبل قوات الأمن أثناء مشاركته فى أحد التظاهرات يوم ٢٥ إبريل ضد اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر و المملكة العربية السعودية.

 وجاء نص الاستقالة موضحاً بالأدلة توليه منصب القائم بأسمال السفارة المصرية فى فنزويلا منذ عام ٢٠٠٤ ،ثم اعتراضه على الموقف المصري و العربي فى بعض الملفات والقضايا ،وما ألت إليه الاوضاع الداخلية المصري ، وسياسات نظام مبارك.

وجاء نص الاستقالة كالتالي.

" سفارة جمهورية مصر العربية؛ في كراكاس السيد الوزير / أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية
تحية طيبة وبعد

اود أولا أن اشكر سيادتكم على اللفتة الجميلة، بإرسال بطاقة المعايدة الرقيقة التي وجهتموها بمناسبة عيد الأضحى المبارك اعاده الله عليكم وعلي بلادنا العزيزة باليمن والتوفيق ولبركات.

واسمحوا لي أن اشير في رسالتي هذه إلى رسائل السفارة بالسيتا ارقام 41 ـ 47 في الفترة من 18 ـ 21 الجاري.
واذ اعبر عن اسفي فاني ارجو من سيادتكم قبول استقالتي من العمل بوزارة الخارجية للأسباب التالية: لقد تحولت سياسة مصر في السنوات أو العقود الأخيرة.. ومنذ منتصف السبعينات تقريبا إلى سياسة غريبة عنا، تبتعد عن ثوابتنا التاريخية والقومية والدينية والتقليدية بل وقد تتنافي أو تتخاصم معها احيانا، وتقترب من مشاريع وسياسات غريبة عنا، حتى اصابنا اليأس والاحباط واحيانا الصدمة والذهول من بعض هذه المواقف.
واصبح فهمها أو استيعابها فضلا عن التعبير والدفاع عنها عبئا ضميريا ثقيلا ننوء بحملة، فمن ناحية لانريد التقصير في عملنا ومن ناحية أخرى لانريد أن نخالف أيضا ضمائرنا ومعتقداتنا واسوق بعض الامثلة على ذلك من علاقات واتفاقات ثنائية ودولية مع أطراف إقليمية ودولية لاتعبر عن مصالح مصر الاصيلة وتشكل احيانا خضوعا لضغوط غير مبررة، مثل:

التوقيع على تجديد اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية مع استثناء ترسانات أخرى، واتفاق الاستثناء من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي رفض التوقيع على مثله دول صغيرة فقيرة أكثر قربا واحتياجا للولايات المتحدة مثل دول الكاريبي لكنها صمدت امام الضغوط وتمسكت بالمباديء.

بينما وافقت مصر صاحبة اعرق الحضارات عليه، ومؤتمرات بدءا من قمة شرم الشيخ لمكافحة العنف في نهاية التسعينات والذي تم تغيير عنوانه أكثر من مرة واختطافه ليتحول إلى اداة لضرب مفهوم المقاومة الوطنية والفلسطينية على وجه الخصوص، ومؤتمر شرم الشيخ الذي حضره قائد جيوش الغزاة الرئيس الأمريكي في 2003م.

ولم يمض شهرين على اجتياح العراق، ومازالت دماء الشهداء على الأرض رطبة طيبة، ومازالت دموع الامهات الثكلي في العيون تحت حجة الحصول على تنازلات واعادة ترتيب الأوضاع، لكن هيهات من ذلك، وانتقاد للهرولة ونحن نمارسها، وصمت اشبه بالموات فيما يتعلق بما يجري في السودان، وفي القرن الأفريقي وفي جنوب لبنان والاراضي السورية المحتلة.

وجاء غزو العراق ليقصم صدق الموقف المصري ويصيبه في مقتل، من عجز وشلل عن التحرك لصياغة موقف فاعل وتضامني، مرورا بدفن رؤوسنا بالرمال قبل وأثناء وبعد الاجتياح وصولا إلى إدارة الظهر للمقاومة الوطنية العراقية بما في ذلك مؤتمر شرم الشيخ الأخير حول العراق في نوفمبر 2004م، والاستسلام للأمر الواقع على صعيد محافل الشرعية الدولية، حتى صار من ينشط في الدفاع عن العراق قبل وبعد الغزو دول من الشرق والغرب.

وكانت الطامة التصريح بان خروج القوات الأجنبية من العراق سيؤدي إلى حرب أهلية، واتساءل هنا لماذا اذن عقدنا اتفاقية الجلاء إذا كان الاحتلال بردا وسلاما ولماذا خضنا الحروب للدفاع عن ارضنا، ولماذا تحررت شعوب العالم من فييتنام إلى الجزائر، السيد الوزير نحن لم نعش بداية كارثة فلسطين.

لكننا شهدنا تفاصيل كارثة العراق وكيف كان الخذلان والسلبية وما اشبه الليلة بالبارحة.

السيد الوزير لم نعد نستطيع أن نصافح اعداءنا لدواعي العمل، في الوقت الذي يذبحون فيه اخواننا ويستبيحون بلادنا، لذا ارفض أن استمر في هذا العمل لكي لا اتحول إلى منافق، وكان يمكنني الاستمرار في قبض راتبي وتخدير الضمير أو قتله، لكنني ارفض أن اكون طبيب اجهاض يتقاضي اجرا ليقتل ثوابت واحلام الامة والوطن، كما ارفض أن اقف صامتا وانا اري الأم تحتضر والسفينة تتجه إلى الهاوية.

وعلي الصعيد الداخلي يتعرض الشعب المصري منذ سنوات كثيرة إلى أزمة اقتصادية طاحنة كان لها بصمات مريرة من معاناة يومية على مواطنينا وعلي بناء المجتمع، في كل مناحي الحياة من تعليم وصحة واجتماع.

إلا أن اشد هذه النتائج هو فقدان قطاعات عريضة من الشعب، للامل والرغبة في الاستمرار والمقاومة، مما ادي لبروز الفساد والظواهر الاجتماعية السلبية، بفعل غياب الفكر والمشروع الوطني وفقدان القيم والثقة والتحول للفردية والانعزالية، بسبب سياسات مدروسة في مجال الاعلام والسياسة والأمن، لتفتيت التلاحم والمشاركة الجمعية الفاعلة، وخلق خواء رهيب في عقول المواطنين.

وفي ظل اجواء التمديد وسلب الشعب حقه الطبيعي في انتخاب من يقوده ويمثله وخنق حرياته، وقصر هذا الحق على مجموعة من المواطنين ـ ايا كانت ـ نعرف كيف جاءوا (عاني الشعب كثيرا من سيد قراره والنواب المطعون في شرعيتهم ونواب الكيف ونواب القروض حتى نواب التوكيلات)، هو أمر لايقره شرع ولامنطق ولايليق بشعب علم العالم الحضارة.

السيد الوزير أن وزارة الخارجية، هي مراّة أيضا لما يحدث في وطننا العزيز، وانعكس عليها عدد من مظاهر الفساد المالي والإداري تمثلت في عديد من القضايا اذكر منها (سفاراتنا في برن ـ هلسنكي ـ كيجالي ـ تصرفات سفير سابق في هراري( إدارة بنك المعلومات).

وهي قضايا لا اذكرها لغرض العد، ولكن لأبين أن هناك خللا جسيما ليس في اختيار الأشخاص فقط بل في النظام نفسه، فهو نظام قديم يعطي الرئيس (السفير في هذا الحالة) سلطات مطلقة ـ خاصة في الخارج ـ

يتحكم بها في مسار العمل والعاملين، بينما يخفف عنه المسئولية إلى أقصى حد فهو يشتري ويوقع غيره ويعطي الاوامر ويدفع غيره الثمن ويتمتع ويعاني غيره، وهو بذلك نظام يشجع على الفساد والاستبداد.

ولايستطيع أحد أن ينكر أن قضية بدل السكن على سبيل المثال هي مرض خبيث ينهش في بناء وزارة الخارجية في معظم أن لم يكن كل سفاراتنا في الخارج، بل تجاوزها إلى كل هيئات التمثيل الخارجي بالدولة حتى سارت مرتعا للتجاوزات والاضرار بالمال العام.

وعلي سبيل المثال فقد عانيت شخصيا من مثل هؤلاء الأشخاص، فقد عملت مع سفير (تم نقله أو طلب نقله من ثلاث بعثات سابقة) وتورط في قضية سفارتنا في برن التي تم فيها استباحة واختلاس مايقرب من 500 ألف فرنك سويسري = اقل قليلا من 2،5 مليون جنيه مصري، وكان وقتها المشرف على الشئون المالية والإدارية (بدرجة مستشار أو وزير مفوض).

وتعرفون سيادتكم أن كل مستند مالي يوقع عليه كل من الملحق الإداري والدبلوماسي المشرف على الشئون المالية، ويعلم الجميع أن شخصا بمفرده لايمكنه أن يستبيح هذا المبلغ الكبير، وانا هنا لا ادين احدا فالأمر متروك للقضاء الا اني اسوق بعض الشواهد، وبالرغم من ذلك فقد تم تعيينه سفيرا مرتين ليستكمل مسيرته في الافساد، والادهي والأمر أن يرقي سفيرا ممتازا لبلدنا العزيز.

السيد الوزير أن حضور دبلوماسي شاب للعمل بدون ربطة العنق أو رفعه لصوته كفيل بتعريضه للعقاب ومنعه من السفر، اما التورط في اختلاس 2،5 مليون جنيه فهو مدعاة للترقية!! واسوق لسيادتكم بعض الامثلة على تجاوزاته ـ والتي اوضحتها تفصيليا بالادلة في كتب السفارة التي ذكرتها بعاليه ـ مثل:

الاضرار بالمال العام عمدا بتجاوزات بدل السكن حيث سمح لملحقين اداريين بالسفارة بتقاضي مبالغ كبيرة لعقود سكن وهمية لم يتم فحصها ـ والاسراف والتبذير في شراء سلع وأجهزة غير ضرورية من أموال الدولة ـ

وقيامه بتصميم جديد لعلم الدولة جعل اتجاه رأس النسر فيه إلى جانب العلم وليس باتجاه اللون الأحمر شاهده ضيوف حفل العيد القومي لعامين متتاليين ـ والاعتذار عن حضور دعوات هامة مثل دعوة المعهد الدبلوماسي الفنزويلي ـ وتراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين أثناء فترة عمله كما هو موضح برسالة السفارة بالسيتا رقم 220 في 7/12/2004م.

واعفائه الملحق الإداري من استلام وتصدير الحقيبة الدبلوماسية ـ وتبديده لبعض مهمات من عهدة الأمن بالسفارة ـ وهناك امثلة يأسف المرء لذكرها مثل علاجه للكلب الموجود بدار السكن على نفقة الدولة (كنا نظن أن علاج المشاهير والاثرياء على نفقة الدولة هو آخر المطاف)، وغيرها من الامثلة كثير.

وقد نـلت جزائي بسبب اعتراضـي على هذه التصرفات، فقد اعطاني مرتبـة كفء في أول عام لعملي معه ولأول مرة في تاريخي الوظيفي الذي كان دائما بدرجة امتياز منذ التحاقي بالعمل بوزارة الخارجية منذ 14 عاما، وحينما قدمت تظلمي من التقرير تم رفعه لدرجة الامتياز، إلا أن مجلس السلك ذكر في الحيثيات، أن قراره جاء استجابة لرأي السيد السفير.

اقصد من سردي هذا ايضاح أن النظام المعمول به حاليا يخلق ويشجع الفساد ويمكن الفاسدين من الاستمرار في مسلكهم، بل يساعدهم على الاطاحة بكل من يقف في طريقهم أو يعترضه.

السيد الوزير أن مصر تقتل ابناءها والشرفاء منهم للاسف اولًا لهذا ولكل ماسبق ارجو من سيادتكم قبول استقالتي وانا على استعداد للتعاون مع أي تحقيق جاد يتناول كل ماذكرته، ونستعيرها ممن سبقنا من أجل مصر دخلنا الخارجية، ومن أجل مصر نخرج منها، ونعاهد الله أن نبقي ابناء مخلصين لها دوما.

وفقنا الله لما فيه الخير
والسلام عليكم ورحمة الله،،،
القائم بأعمال سفارة مصر في كاراكاس
سكرتير ثان / يحيي زكريا نجم
الجريدة الرسمية