رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

بالصور.. متحف دمشق الوطني يروي قصة العمران البشري

فيتو

يعرض الدكتور محمود رمضان - خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية- موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن متحف دمشق الوطني، بقلم الدكتور أحمد الصاوي - أستاذ الآثار والفنون الإسلامية- في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه.


يقول الدكتور الصاوي:
متحف دمشق الوطني هو أحد أهم المتاحف العربية بل والعالمية، نظرا لما يحتويه من آثار معمارية وفنية هامة تستغرق من الناحية الزمنية عمر العمران البشري تقريبا، فبه آثار للإنسان الأول في عصوره البدائية قبل التاريخ،وأخرى للعصور التاريخية القديمة والإسلامية وصولا للفن الحديث.

وقبل التفكير في إنشاء هذا المتحف كانت الآثار السورية مجالا واسعًا لنشاط تجار التحف والعاديات الذين أثروا المتاحف والمجموعات الخاصة في أوروبا وأمريكا بالآثار السورية، وما أفلت من التجار كان مآله لإسطنبول حاضرة الخلافة العثمانية التي كانت تحكم سوريا ضمن ما كان خاضعا لها من بلاد العرب والمسلمين.

ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى تداعى المثقفون في سوريا للعمل من أجل إنشاء متحف وطني أسوة بالدول المتقدمة،وبالفعل عهد في عام 1919م لشعبة الآثار بديوان المعارف بأمر تأسيس متحف دمشق، ووقع اختيار الشعبة على مبنى المدرسة العادلية الذي شيد في العصر الأيوبي ليكون مقرًا مؤقتًا للمتحف.

وتنافست الأسر السورية في تزويد المتحف الوليد بما كانت تمتلكه من تحف وآثار كانت النواة الأولى لمقتنياته، وفي نفس العام أوفدت الحكومة السورية الأمير "جعفر الحسيني" إلى باريس لدراسة الآثار والمتاحف.

ومع تزايد المقتنيات -عقب السماح للبعثات الأثرية بالتنقيب- صارت الحاجة ملحة لإنشاء مبنى جديد للمتحف، فعهد للمهندس الفرنسي "إيكوشار" بوضع تصميم المبنى الحالي المطل على نهر بردى فيما بين جامعة دمشق والتكية السليمانية، وتم إنجاز المرحلة الأولى في عام 1936م،وشرع في إنشاء القسم الشرقي من المتحف عام 1939م قبل أن يتوقف العمل لظروف الحرب العالمية الثانية، وانتهت الأعمال الإنشائية في عام 1950 ليفتتح المتحف رسميا في مبناه الجديد، وأضيفت أجنحة جديدة للمتحف وأجريت توسعات في الأعوام 1954-1956-1962-1975-1996م.

والحقيقة أن متحف دمشق الوطني عبارة عن مجموعة متاحف جرى عرض التحف والمقتنيات فيها وفقا لأسلوبين، أولهما العرض التاريخي، حيث هناك أجنحة لآثار ما قبل التاريخ وقاعات للطرز الفنية كالآثار اليونانية والرومانية والآثار الإسلامية، وهناك أيضا قاعات للمواد أو للتحف المصنوعة من مادة بعينها مثل قاعة الأحجار وقاعة الزجاج.

والمتاحف الفرعية تتضمن متحف آثار ما قبل التاريخ،ومتحف الآثار السورية القديمة لممالك إيبلا وماري وأوغاريت، ومتحف الآثار اليونانية والرومانية، ومتحف الآثار العربية الإسلامية، ومتحف الفن الحديث، ثم متحف الهواء الطلق أو الحديقة المتحفية التي تعرض فيها بعض القطع الحجرية الضخمة من عصور مختلفة، ومن أهمها أحد مداخل جامع "يلبغا" المملوكي الذي فك من مكانه الأصلي وأعيد تركيبه بالحديقة المتحفية وسط الزهور ونماذج للنواعير الدمشقية الشهيرة.

وللفنون الإسلامية نصيب كبير بين معروضات متحف دمشق الوطني، سواء في المتحف الفرعي للآثار العربية الإسلامية أو في قاعات الزجاج والأحجار والرقة،فضلا عن "الباحة العربية"،وقد أنشئت على نمط البيوت السورية، ولها رواقان جنوبي وغربي، وبوسطها فسقية من الرخام الملون شيدت على النمط السائد بالمنازل الدمشقية في العهد العثماني، وتعرض بها قطع أثرية منها نحت حجري على هيئة أسد من العصر العباسي وشاهدا قبر من الحجر عثر عليهما في مقبرة باب الصغير بدمشق الشاهد الأول، منهما لأبي الدرداء الصحابي الجليل،والثاني لزوجته أم الدرداء.

وقد عرف المتحف تجربة فريدة عند التفكير في واجهته ومدخله الرئيسي، إذ تم نقل مدخل قصر الحير الغربي الذي كانت بقاياه شاخصة في بادية الشام (80كم جنوب غربي تدمر)، وأصبح المدخل ببرجيه المستديرين مدخلا للمتحف الوطني، كما نقلت لوحاته الجدارية من "الفرسكو" لتعرض بقاعات المتحف.

ومن المعرف أن تاريخ بناء قصر الحير يعود للعصر الأموي، وبالتحديد لعصر الخليفة هشام بن عبد الملك،وهو يعطي فكرة واضحة عن الأسس التخطيطية والدفاعية والزخرفية للقصور التي شيدها الخلفاء الأمويون في البادية.

ويضم متحف الآثار العربية الإسلامية عدة قاعات تعرض فيها مجموعة رائعة من الفنون التطبيقية الإسلامية، فهناك قاعة الرقة، وهي مدينة في شمال سوريا اتخذها هارون الرشيد عاصمة للخلافة العباسية لبعض الوقت،وتعرض بها مجموعة من التحف التي عثر عليها بالرقة، وفي مقدمتها أواني من خزف الرقة الذي كان معروفا في أقاليم إسلامية بعيدة لجودته ودقة زخارفه، فضلا عن قطع من الأثاث الخشبي الملونة والمذهبة،ومجموعة هائلة من النقود النحاسية البيزنطية والعربية التي عثر عليها في حفائر مدينة الرقة، وهي مجموعة كبيرة ومتنوعة يصل وزنها إلى نحو 50كيلوجراما.

ومن أجمل القطع الخزفية بتلك القاعة مزهرية من الخزف بها رسوم أوراق نباتية، فضلا عن رسم لطاووس بوسط البدن الكروي يواجهه طاووس آخر مماثل له، وهو يؤرخ بالقرن الثالث الهجري(9م).

ومن قاعات هذا القسم أو المتحف الفرعي قاعة "الأحجار"، طالما كان الحجر هو مادة البناء الرئيسية في سورية منذ القدم،وتضم القاعة قطعا من الحجر المنقوش جرى نقلها من أماكن متعددة لتعرض بالمتحف،ومن أشهرها نحت بالحجر من العصر المملوكي يمثل طبيبا يحمل أدوية،وبها كتابة بخط الثلث المملوكي نقرأ فيها "كل من الله العافية".

ومن أجمل القاعات "القاعة الدمشقية" التي أعيد بناؤها بعد نقلها بالكامل من قصر "مردم بك" بحي الحريقة بدمشق، وتعطي القاعة بمكوناتها من الرخام والخزف والأخشاب فكرة واضحة عن طابع التأنق الزخرفي الذي تمتعت به منازل الطبقة الوسطى خلال القرن الثاني عشر الهجري (18م).

وتجدر الإشارة إلى أن تجار العاديات كانوا قد قاموا ببيع قاعات استقبال أو نوم بكاملها لتجار أوربيين يعرض بعضها اليوم في متاحف كبرى مثل متحف برلين للفنون الإسلامية ومتحف جايير أندرسون بالقاهرة المعروف ببيت الكريتلية.

وهناك أيضا قاعات "الخزف" التي تعرض بها أوان من الخزف الإسلامي، ولا سيما التي أنتجت في سوريا وبينها مجموعة من أواني الخزف العثماني التي برع الخزافون الدمشقيون في زخرفتها باللون الأزرق على أرضية بيضاء قصديرية.

أما قاعات الزجاج الذي اشتهرت سوريا بإنتاجه منذ العهود القديمة بإنتاجه فتعرض بها بالقاعة الأولى مجموعة من الزجاج الشفاف المصنوع بطريقة النفخ،وهي غير مزخرفة وتتميز برقتها.

أما في القاعة الثانية فتعرض مجموعات من الأباريق والأكواب والقوارير الزجاجية الملونة والمزخرفة، ومن أبرزها بعض المشكاوات الزجاجية المموهة بالمينا الحمراء والزرقاء،والتي برع الصناع الدمشقيون في صناعتها وزخرفتها طوال العصر المملوكي.

وبالمتحف قاعة أفردت لمنتجات الأخشاب في الفن الإسلامي، ومنها قطع رائعة زخرفت بأسلوب التطعيم بالعاج والصدف، ومن أشهرها تركيبة قبر من الخشب صنعت بأمر من السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري في منتصف القرن السابع الهجري(13م)، لتوضع في قبر الصحابي خالد بن الوليد بمدينة حمص، وقد نقلت من هناك لتعرض بالمتحف، وهي حافلة بأشرطة كتابية بالخطين الكوفي والنسخي، فضلا عن زخارف الأرابيسك المحفورة بدقة، وبوسطها أشكال محاريب تتدلى من عقودها المشكاوات.

ويفخر متحف دمشق الوطني أيضا بقاعته للمخطوطات التي تزدان بعدد من المصاحف والمخطوطات الطبية النادرة، ومنها مخطوطات لمؤلفات مشاهير العلماء المسلمين مثل ابن سينا،ومن أنفس ما يعرض بها نسخة من المصحف الشريف كتبت في القرن التاسع الهجري(15م).
Advertisements
الجريدة الرسمية