رئيس التحرير
عصام كامل

تجليات الربيع العبري


لم تعد أيامنا تخلو من دراما، نصنعها نحن، أو تصنع لنا، أبطالها نحن، أو ضحايا نحن، المهم أننا في مسلسل مقرف منذ خمس سنوات، كلما أشرفت حلقاته على نهاية تولدت له أم لقيح جديدة، وأنجبت فاجعة مسخًا، أو أفرزت على المصريين بعض أبنائهم ممن رضعوا صديد العمالة، والنفاق، فتراهم يهتفون للحرية وهدفهم الفوضى والخراب، وتراهم يصرخون حتى تبرز عروق رقابهم، ويتطاير الشرر من عيونهم الثورية دفاعا عن الكرامة، بينما أفسحوا بدعاواهم لجماعات اغتصاب الكرامة، من خطف للنساء، واستباحة الأعراض، بل خطف للأطفال، والمتاجرة بحياتهم، وابتزاز آبائهم من رجال أعمال أو تجار أو من الطبقة التي كانت متوسطة، فصارت أدنى إلى الفقر!


وفي الشهور الأخيرة، ومع تزايد مؤشرات على استقرار نسبي، ورضا حذر محسوب، إذا بالمصائب تتساقط واحدة بعد الأخرى على رأس الدولة، نظاما وشعبا، من حادث الطيارة الروسية الذي قتل السياحة وخرب بيوت الملايين، إلى جريمة القرن بحق وحقيق، والتي أظنها تذهب في تاريــخ الجريمة، كما ذهبت عملية اغتيال الرئيس الأمريكي الديموقراطي جون كينيدي في العام ١٩٦٢، إذ لا يعرف أحد حتى اللحظة من قتل كينيدي !

وجه التعجيز في معرفة القاتل الذي خطف وعذب وقتل الشاب الباحث الإيطالي ريجيني على التراب المصرى، أن العملية نظيفة جدا، مبرأة من أي غلطة، يمكن أن تقود إلى كشف الجاني، وهذا النوع مما يسمى "الجريمة الكاملة" لا تقدر عليه، إبداعا وإمكانيات وتخطيطا إلا أجهزة مخابرات دولية ذات وزن وثقل وخبرة.

الهدف ليس قتل شاب إيطالي على أرض مصر، بل قتل العلاقات الإيطالية الزاهرة المتصاعدة المتحمسة مع مصر.

ومن يوم مقتل ريجيني، دأب الساسة الطليان على إصدار تهديدات وإنذارات، وسحبوا السفير، وعاد الوفد المصري، الأمني والقضائي من روما فاشلا في إقناع الطلاينة بأن حكومة مصر لا يمكن أن تتورط في قتل أجنبي، لأنه في حماية قوانينها.

ولاحظنا أن إيطاليا في حالة تسخين مستمر، وظهر نزوع للذهاب إلى البرلمان الأوروبي، الذي أصدر بالفعل بيانًا رفضته مصر، وتصدت له لجنة برلمانية مصرية في مواجهة مع البرلمان، في عقر دارهم، واعتذر البرلمان وتحجج بأن معلوماته مستقاة من نفر في الأعلام المصري والصحافة الغبية في مصر، وهي تغمز وتلمز بضلوع الحكومة في قتل الأجنبي !

من كان وراء التسخين ؟!

بريطانيا!

واليوم، تعيش بريطانيا نفس الموقف الذي تمر به مصر، بعد أن قتل على أرض لندن، بضاحية "ساوث هيل" الشاب المصري شريف عادل ميخائيل حبيب.

جثة شريف ممزقة بطعنات عديدة عميقة متفرقة، وأحرقت حتى تفحمت تمامًا وتركت داخل سيارة.

وشريف ابن لأسرة مصرية راقية محترمة، ومظهر الشاب قبل قتله وحرقه يدل على رقي وتربية جيدة، وأسرته بلا عداوات، ولم تعرف عائلته حتى الآن من القاتل، بل لم يتم تسليمهم الجثة !

من الطبيعي إذن أن تهتم الدولة والإعلام في مصر، عدا حقوقيون، وبرلماني رئيس لجنة رأى أن من العقل عدم التصعيد ضد بريطانيا، و"وكفاية هيصة" لأن "الحكاية مش مستاهلة"!

والتزم القومي لحقوق الإنسان فضيلة الصمت والخرس، وبقي الشعب المصري على "تويتر وفيس" يمطر مواقع وصفحات السفارة البريطانية والحكومة البريطانية وصفحة دافيد كاميرون باحتجاجات ومطالبات بكشف حقيقة مقتل شريف ميخائيل !

دراما مضت عكس الاتجاه، وسوف تتلوها دراما تغطي عليها في اتجاه مواز أو معاكس، المهم أننا صرنا سيركًا أو خشبة مسرح كبير، يمثلون فينا وعلينا وبنا !
شكرًا أيها الربيع العبري !
الجريدة الرسمية