رئيس التحرير
عصام كامل

السلطة والجامعة (3)


وكان لحادثة دنشواى أثر آخر على تأسيس الجامعة المصرية ربما يكون في نظر بعض المؤرخين أكبر بكثير من سابقة وإن جاء بطريق غير مباشر ذلك أن المستشار فتحى زغلول (الشقيق الأصغر للزعيم سعد زغلول)! كان أحد القضاة الجالسين في محكمة دنشواى والتي أرضت الإنجليز بأحكام أعتبرت من قبل المحايدين قمة في الظلم والتعسف فقد حكمت على 4 فلاحين وهم (حسن محفوظ، ويوسف سليم، والسيد عيسى سالم، ومحمد درويش زهران) بالإعدام شنقا وعلنيا أمام أهلهم وعلى باقى المتهمين بالأشغال الشاقة لمدد متفاوتة بعد الجلد 50 جلدة لكل منهم أمام أهلهم ذلك رغم عدم وجود أي دليل على أن تسبب هؤلاء الفلاحين في وفاة الجندي الإنجليزي الذي ربما قد قضى نتيجة ضربة شمس أثناء مطاردة أهالي القرية له ولزميله لمحاولتهم "مغازلة" فلاحة من القرية....


المهم أن من شارك في هذه المهزلة التي فتحت أعين العالم حينئذ على فظائع الاحتلال قد صار من المقربين لسلطة الاحتلال وعلى رأسها لورد كرومر وزاد من قربة ترجمته لكتاب "سر تفوق الإنجليز السكسونيين" وهو ما أثلج صدر كرومر العنصرى المؤمن بتفوق بنى جنسه.. وسمحت هذه العلاقة بأن يوعز سعد زغلول لأخيه بجس نبض كرومر أو بمعنى أوضح محاولة تحييده تجاه مشروع الجامعة وبالفعل استطاع فتحى زغلول أن يأخذ من كرومر قولا بأنه لا يعارض قيام جامعة في مصر لكن بشروط وضعها ومنها أن تكون على نظام عليكرة الهندية بإشراف الاحتلال وأن يتم اختيار طلبتها بعناية من بين طبقة الأغنياء..

(مبدأ التمييز الطبقى في التعليم) وأن يتم تأجيل الفكرة عدة سنوات لأن مصر ليست مؤهلة للتعليم الجامعي وقتها من وجهة نظره.. المهم أنها كانت أول مرة يصرح كرومر ويعد أنه ليس ضد الفكرة من حيث المبدأ وسبحان الله أن تأتى النتائج غير المباشرة لحادثة دنشواى والتي إرادها الاحتلال أن تكون كسرا لكرامة المصريين وقتلا لروح المقاومة فيهم تأتى بما يحقق لهم ما بساعدهم على تحرر أمتهم ورد كرامتهم "و ما يعلم جنود ربك إلا هو".

بعد التحييد النظري لسلطة الاحتلال البريطاني بقيت سلطتان قد تشكل الجامعة وما تحمله من فكرى تنورى ومتحرر تهديدًا كبيرًا لهما وهما العائلة المالكة والأحزاب الطبقية.. وكان الخديو عباس حلمى الثانى قد أظهر فتورا أو على الأقل لا مبالاة تجاه الفكرة وهو ما يعنى عدم دعم أجهزة ومؤسسات الدولة لها.. كما أن الصراع الحزبي على السلطة وعلى رضا سلطة الاحتلال أو معارضتها ومعارضة بعض الأحزاب لفكرة المساواة بين الأغنياء والفقراء ولو في التعليم جعل من الأهمية بمكان إيجاد طريقة لإبعاد الجامعة عن هذه الصراعات وتحييد هذه القوى لحماية المشروع الوليد.

كان مصطفى كامل هو زعيم السنوات الأولى من القرن العشرين وكانت خطبه عن الحرية والاستقلال والسيادة المصرية تلهب حماس الشعب وخاصة طلبة المدارس العليا وكانت جولاته الأوروبية لفضح فظائع الاحتلال ومقالاته في جريدة اللواء أكبر الأثر في تجميع الشباب حوله سواء من أعضاء الحزب الوطنى الذي أسسه (يختلف تماما عن الحزب الوطني الثاني الذي اسسه السادات رحمه الله وربما كان على نقيضه) إلا أن صراحته ونقده للخديوى الذي تغير بعد عدة صدامات مع الإنجليز وبدأ في مهادنتهم قد أضر كثيرا بالعلاقة بينهما وربما كان هذا أحد الأسباب الرئيسية في إعراض الخديو عن المشروع وكانت...
الجريدة الرسمية
عاجل