رئيس التحرير
عصام كامل

لا أرضًا حافظت.. ولا بيتًا بنيت


ورثت عن أبي رحمه الله، قطعة أرض زراعية بالمشاركة مع إخوتي بمسقط رأسي.. ورغم أنني عاصرت والديّ لسنوات وأمضيت سنوات طويلة أزرع وأحصد في تلك الأرض غير أني وللحق أقول لا أعرف كيف وصلت هذه الأرض لوالدي..لا أعرف إن كانت ورثا ورثها عن آبائه أم اشتراها بجده وعرقه أم هبة.. كل ما أعرفه أنها كانت بحوزة أبي قبل أن تصل إلى أنا وإخوتي.. وقد قمنا بدورنا بزراعتها والاعتناء بها..ارتوت بعرقنا وجهدنا.. حصدت أعمارنا وأوقاتنا قبل أن نحصد زرعها وخيراتها..


ومع الأيام وانشغال كل منا بعالمه وانتقالي للقاهرة ورغبتي في بناء مسكن خاص وتحت وطأة ضغوط الحياة اضطررت لبيع نصيبي من أرضي التي ورثتها عن أبي.. لم أشأ أن يدخل غريب أرض آبائي.. والحمد لله قرر أبناء أخي شرائها.. وسعدت لذلك وشكرت الله على فضله لأنها في النهاية ستؤول إلى هذا الجيل من الأبناء ولم تذهب لغريب..

قبضت الثمن.. وشرعت في بناء المنزل الجديد.. ولكنه لم يكتمل بعد.. فقد نفذ ثمن الأرض قبل أن يكتمل البناء.. ومازلت أبحث عن مصادر أخرى لأكمل البناء.. وكلما ذهبت لبلدتي يأخذني الحنين إلى الماضي إلى أبي وأمي وإخوتي رحمهم الله.. فتسوقني قدماي إلى الأرض لألتمس فيها دفئا أفتقده وأنسا يبدد ما روحي فيه من وحشة.. وما أن أقترب من الأرض حتى أجدني ودون أن أشعر أطأطا الرأس وأحني العنق.. وتحدثني نفسي بأي عين تذهب وقد فرطت في الأمانة.. وخنت العهد، ولم تحافظ على أرض آبائك وقد شهدت كيف عانوا وقاسوا من أجل الحفاظ عليها حتى وصلت إليك.. ويأتيني صوت أمي وأبي يلعناني.. وأسمع الزرع والشجر والدواب والأرض تلعنني.. فأعود أدراجي والندم يقتلني فلا أرضا حافظت ولا بيتا بنيت.. ولا عهدا صنت ولا أمانة وعيت..
الجريدة الرسمية