رئيس التحرير
عصام كامل

وعن صناعة ظهير سياسي أتحدث


عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن ظهير سياسي قوامه الشباب، وهو حلم انتظرناه كثيرا من أجل مصر أولا.. فهو عماد الاستقرار المجتمعي المستهدف لأن الشباب هم الكتلة الحرجة، لذا وجب علينا طرح الرؤى السياسية لما يعني الظهير الحقيقي الداعم للوطن في وقت يحتاج فيه الوطن أيدي أبنائه وبقوة أمام الشائعات والقوى المغرضة لهدم الترابط المجتمعي.


حديثي هذا لعقلاء الوطن، بعد سنوات قضيتها في العمل السياسي والحزبي، ولن أجامل أحدا وإنما من أجل مستقبل هذا الوطن الذي لا بديل لي عنه سأقول ما يستحقه هذا الوطن الجريح. في ظل عدم وجود ظهير معلن يظهر بين تارة وأخرى من يدعي صلاته واتصالاته، مستغلا حالة الفراغ السياسي. أن هناك عناصر حاسمة لتكوين الكيانات السياسية أو الحزبية ألا وهي:

أولا: دائرة المثقفين والمفكرين ومنهم يتحرك المدربون السياسيون نحو الشباب والمرأة والجموع، وهم عقل وضمير الكيان والوطن ويضعون الاستراتيجيات والرؤى المستقبلية والبناء الثقافي والأيديولوجيات أيًا كانت (ليبرالية أو اشتراكية أو قومية) لتحديد ألوان وأطياف سياسية لها قرارات واتجاهات وطنية واضحة قبل وبعد تكوين البرلمان ولا تخضع للأهواء والضغوط كما حدث في قانون الخدمة المدنية.

ثانيا: دائرة مهندسي التنظيم، وهم محركو الأرض ومكتشفو المواهب وتحفيزها واستقطابها لصناعة قادة المستقبل من خلال القيادات الطبيعية من المجتمع والنقابات والعمل المدني والجامعات وتسكينها وتطويرها، أيضا تقع عليهم مسئولية قياس وتحليل الرأي العام.

ثالثا: دائرة الكوادر من البرلمانيين والمرشحين المحتملين، ويتم تدريبهم وتكون خطة عملهم وتصريحاتهم بل صورهم طبقا لخطة مدروسة ودورهم جزء من منظومة عمل متكاملة لتحقيق مصطلح نائب الشعب. وطنيون لا ترى في أعينهم الشبق نحو رأس المال السياسي وإنما خدمة الشعب والوطن.

رابعا: دائرة الممولين (رأس المال السياسي) وهنا يجب أن ندرك أن المال السياسي من الصعب أن يكون منزّها، ولكن يمكن وضع ضوابط لتحرك جماعات الضغط (اللوبيهات) داخل إطار توازن لمصالحهم بما لا يتعارض مع مصالح الشعب والوطن أو الطغيان على نزاهة الكيان السياسي ذاته ومصداقيته.

المال السياسي ليس للرشاوى والعطايا، ولكن من خلال البناء السياسي، وهذا يحتاج إلى تحفيز رجال أعمال وطنيين نحو المشاركة السياسية لدعم استقرار الدولة.

أما كفاءة ووطنية العناصر البشرية في فلك الدوائر الأربعة، فهي ميزان النجاح للتجاوب الاحترافي والقدرة على التطور وتأسيس جيل القدوة المستمدة من القيم والأخلاقيات لصالح الوطن وليس المقدرة المالية فقط.

سميت العناصر الأربعة بالدوائر، لأنه يجب على من يديرهم ألا يحدث اختراق أي منهم للأخرى أو طغيانها على الآخرين ولا يمكن الانتقال لعضو من دائرة لأخرى إلا بمعايير وإلا ظهر الفساد وأحجم البعض عن المشاركة أو صراعات ومن هنا تنبع قوة الكيان، ومن المرجو ألا نعيد اختراع العجلة لأنه رغم وجود هذه الدوائر في الحزب الوطني غلا أنه حدث اختراق دوائر لصالح الأخرى في آخر أعوام قبيل الثورة، مما سبب ضعف النظام السياسي.

عموما نحن هنا لا نقيم الحزب الوطني من نجاح أو فشل وإنما نقيم تجربة سياسية لصالح الوطن وكيفية الاستفادة من إيجابياتها وتخطي سلبياتها لبناء سياسي وطني حقيقي، ونحن في احتياج له في ظل فقدان النماذج السياسية وإن كان من سلبياته أنه الكيان الأوحد لأنه يهدم التنافسية الديمقراطية ولا يجب أن ننسى أن الإخوان اعتمدوا على نفس التشكيل بدوائره لتحقيق نجاحهم المؤقت وأيضا قد حدث عندهم اختراق الدوائر لبعضها، مما سبب انكشاف شهواتهم سريعا خاصة دائرة الممولين الانتهازيين وانهيار الرؤى الوطنية.

كل ما سبق ينطبق أيضا على الائتلافات البرلمانية أيضا، وليس هناك طريق بديل لاستقرار سياسي وتنموي ثم اقتصادي إلا من خلال كيانات وطنية مؤثرة مجتمعيا منها الليبرالي والاشتراكي والقومي (معارض ومؤيد على السواء) ليستوعب الكل على اختلاف اطيافهم ويحمي المجتمع المصري من المؤامرات والحروب والشائعات إيمانا بمدنية الدولة وتطور الحياة السياسية لإفراز برلمان قائد قوي ينتزع احترامه بخدمة الوطن في الرقابة والتشريع ويستحق أن يعيش طويلا ثم ينتج محليات فعالة لأنها لن يكون هناك محليات قادرة على استيعاب طاقة المجتمع إلا من رحم برلمان، وليس برلمانا فرضته ظروف مؤقته كلوحة الفسيفساء العشوائية.

إن وجود ظهير مدني يعمل على تأسيس الوعي بأخلاق وقيم المجتمع المصري الأصيل ضرورة ملحة لأنه يرفع العبء جزئيا عن كاهل الأجهزة الأمنية في دحر أفكار التطرف بفكر معتدل ويوفر الأمل في استقرار سياسي مستدام يحقق استقرار اقتصادي ليستقطب الاستثمار الخارجي المنشود بناء على أيديولوجيات راسخة في المجتمع لا يمكن تغييرها بتغير أشخاص ويلتمسها المستثمر، لذا لا يوجد ما يمنع من أن تضع الدولة معايير رقابية وتحفيزية لأن الإصلاح الوطني لا يجزأ ويواجه منظومة الفساد ببديل منظم يحلم بوطن افضل عن طريق الشباب (أصحاب المصلحة في الإصلاح).

أقولها وبوضوح، أن مسئولية البرلمان إضافة رصيد شعبي لاستقرار الدولة وهيبتها، ويمكن قياس ذلك من مؤشرات الاقتصاد أما الدور المجتمعي هو تحفيز المشاركة السياسية الشعبية البناءة لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي أيضا امتصاص الصدمات في الحياة السياسية مثل اكصدام السيارة لحماية السيارة والركاب وليس العكس.

في النهاية، يجب أن نؤكد على خلق مناخ يستقطب الأكفاء عامة والشباب خاصة وبناء الأمل في تغيير حقيقي ممنهج ومنح فرصة لهم ليصنعوا تجربتهم السياسية لتضاهي التجارب السابقة وتتفوق عليها ليثبتوا أنهم قادرون على بناء وطن وتحقيق الأمل في حلم مصر العظمى أو لنغلق ملف التحول الديمقراطي ونتحرك في اتجاه آخر وقد يكون ذلك أفضل من اللون الرمادي الذي لم ينجح سابقا، فالأنظمة التي تستمر إما بيضاء أو سوداء إنما اللون الرمادي هو ما أسقط نظام مبارك.

ظهير وطني يدعم الرئيس لدعم الوطن، وليس ظهيرا فاشيا سريا لدعم النظام بشكل مباشر حتى لا يترجم أنه الحزب الوطني الحزب الأوحد.. وبشكل آخر مؤمن بوطنية الرئيس وفكره كما أن تنشئة ظهير شبابي مؤمن يحقق من خلال تصدير أفكاره خارج الحدود قوة وطنية ناعمة أيضا فعلها الإخوان - رغم تحفظنا على خطورة التنظيمات السرية - من هذا الظهير سيخرج مجددو الفكر والإصلاحيون لبناء مصر.

الجريدة الرسمية