رئيس التحرير
عصام كامل

ريجيني.. وألغام إعلام الدببة.. مع أطيب التحريات!


منذ عام أو أكثر، كتبت فقرة ساخرة ابتغيت من ورائها أن أعكس هشاشة واستخفاف المعالجة الإعلامية الرسمية لتبرير الإساءة للأجانب.. ويا لها من مصادفة وكأنني أكتبها في التَّو، نقدًا لأسلوب التعاطي مع حادث ريجيني وإن اختلفت فداحة الحادث وملابساته.


كتبت أقول: "لأننا في زمن الاستهبال حتى ضحكت من هبلنا الأمم.. عندما يشكو عابر أجنبى من سوء المعاملة في قسم شرطة، رغم أن ما تعرض له لم يكن سوى فاصل خفيف من الطرقعة على القفا.. يهيج إعلام بلاده ويطلب من السلطات المصرية تفسيرًا لما حدث.. فيأتى رد مسئولينا يقول: إن الضرب على القفا ليس تعذيبًا كما ظن المذكور، وإنما كان ضمن خدمات سياحة الاستشفاء بالمساج، وأيضًا لغرض تعليمى مثل تعليم الأدب!".

في تقديري أن ما كتبته يحمل مقاربة شديدة التماهي مع حادث مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.. الحادث الذي دخل إلى منعطف شديد الخطورة بعد إعلان الجانب الإيطالي عن توصله إلى معلومات عن الجناة، زعمت أنها مؤكدة أو شبه مؤكدة وبالوثائق.

كلمة حق.. بنظرة متأنية على ملابسات الحادث وتطوراته منذ العثور على الجثة، بمقدورنا تأكيد أن المعالجة المصرية في تعاطيها مع الحادث كانت دون المستوى إلى حد مؤسف.. غير أن ثلاث محطات في مسلسل تداول القضية إعلاميًا في تقديري هي الأخطر على الإطلاق.

الأولى ــ التصريح الأول عقب اكتشاف الجثة الذي أرجع سبب الوفاة إلى حادث سيارة.

الثانية ــ إقحام شاهد الزور واستضافته على إحدى الفضائيات.

الثالثة ــ بيان عملية تصفية عصابة خطف الأجانب وتصوير أوراق وأغراض ريجيني الشخصية و"حَجَر الحشيش"!

الخطوط العامة لمشهد التعاطي مع الحادث، أعادت إلى ذهني نقد رجل الشرطة ضعيف المستوى الذي يعلن عن كشف جريمة قتل بالصوت والصورة، ويؤكد أن الكاميرات أكدت في صورها التي تم تفريغها، أن القتيل كان جالسًا على حرف السرير، وآخر حاجة شالها من على الأرض قبل ما ينام رجليه.

دعونا نعترف أن الإعلام غير الرشيد مشارك بالأساس فيما آلت إليه الأحداث.. بعض الإعلاميين يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا، بينما هم من فصيلة الدببة التي تقتل أصحابها أو كما يقول المصريون يريدون تكحيلها فيصيبونها بالعمى.. يحاولون التذاكي وهم يغنون للسلطات أنا قلبي عليك عليك قلبي، فيربكون المشهد ويُثَبِّتُونا في مرمى نيران السخرية والاستهزاء، ويجعلون منا فرجة لمن يسوى ومن لا يسوى..

فلو وقع حادث انفجار ماسورة مجاري على سبيل المثال، تجد من يخرج علينا من هذا الصنف من الإعلاميين ليعلن الخبر على النحو التالي: قال المتحدث الرسمي باسم النبي حارسُه.. إن ماسورة مجارى انفجرت بميدان طلعت حرب، وقد وصلت على الفور تشكيلات من هيئة الصرف الصحى للتعامل مع الماسورة.. وتجرى الآن عملية مسح شامل لمحيط الانفجار بحثًا عن مواسير أخرى.. الخلاصة أن الزبون تعامل مع انفجار المجاري كما لو كان انفجارًا لقنبلة زرعها إرهابيون كما اعتاد.. اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.
الجريدة الرسمية