رئيس التحرير
عصام كامل

أفرجوا عن قانون الصحافة «السجين»


وضعت الحكومة ملف قانون الصحافة والإعلام خلف كل القضايا المطروحة للنقاش والحل، واكتفت فقط بتسليط الضوء والحديث على استحياء عن تلك القضية المهمة والشائكة، شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، الذي يحتفظ بملف القانون في أدراج مغلقة ليس لديه القدرة على التعامل مع هذا الملف لن أقول متعمدًا، ولكنها قدرات الرجل الذي لم يتجاوز طوال تاريخه الوظيفي العمل الفني باعتباره مهندس بترول وفقط.


لقد أثار الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه مع المثقفين والمفكرين من فوضى الإعلام، وأشار إلى عدم وجود ضوابط، وهو ما أدى إلى حالة من الانفلات -ومع الرئيس بالتأكيد كل الحق– لأن كلام الرئيس يأتي متوافقًا مع ما حذرت منه نقابة الصحفيين وقد أحالت عددًا من أعضائها من مقدمي البرامج إلى التحقيق والتأديب لنفس السبب - وبعدما كشف الحضور للرئيس أن هناك مشروع قانون منظمًا لها وبه ميثاق شرف إعلامي، اكتفى رئيس الوزراء -الذي تقتصر إبداعاته على التعليق وليس التأثير فيما يدور حوله- بالتصريح أن مشروع القانون سوف يعرض على البرلمان هذا العام.

كلام رئيس الوزراء في هذا الشأن مطاط، كمن يريد أن يخرج من ورطته، بينما تقديم المشروع قد يتم بعد انتهاء الفصل التشريعي الحالي والذي ينتهي بالإجازة البرلمانية في يونيو المقبل.. وهو ما يعني أن هناك من يتلاعب بملف القانون المنظم للصحافة والإعلام، مستخدمًا جهل الحكومة التي لم تتجاوز مرحلة المراهقة السياسية، لتتصرف في هذا الملف الخطير ربما ليس عن قصد، ولكن عن قصور في الرؤية وسوء التصرف.

لقد ألقى السيسي الضوء على فوضى الإعلام وكشف عن تحولها إلى حالة من الانفلات وأكد في الوقت نفسه رفض تدخل الدولة في معالجة تلك الفوضى الإعلامية، نائيًا بنفسه عن أن يُتهم بمعاداته للحريات، لكن الإعلام لم يستفد من المنحة التي منحها النظام له ولم ينتهز الفرصة لتنظيم نفسه بنفسه، ولكن الحقيقــة أنها مشكلة الحكومة التي تحولت إلى منصة لإطلاق الأزمات، كما تتجاهل عن جهل تنفيذ رغبات اللهو الخفي فتبقى على مشروع القانون في إدراجها.. وهنا يتم صناعة الفجوة بين الرئيس من جانب والصحافة والإعلام من ناحية أخرى ليصبحا في خندق العداء للدولة.

إن سيناريو التشريع الممنوع من الصرف يعيدنا إلى نفس الدور الذي لعبه البعض في قانون الإرهاب، والذي تمت تغذيته بمادة تجعل حبس الصحفيين وجوبيًا في كل ما يتناولونه بأي من وسائل النشر إذا لم يعرض على موظفي المكاتب الإعلامية بالوزارات، وهو ما كاد يتسبب في أزمة تعيدنا إلى ألاعيب حكومات مبارك تجاه الصحافة منها لعبة القانون 39 لسنة 1995 الملقب بقانون اغتيال الصحافة.

والحقيقة أن بعض المسيطرين على أجهزة الدولة هم من يساعدون على نشر الفوضى وتدعيمها حتى يسهل لهم إشعال نيران الفتنة بين الصحافة والرئيس والشعب.

كان على الحكومة أن تتولى القيام بمهمة عرض القانون على البرلمان سريعًا ليأخد حظه من المناقشة بين الأعضاء ثم إقراره، ليضع حدًا بين الجد والهزل، وبين الحرية والفوضى، وبين البناء والهدم، وبين حق المواطن والرأي العام في معرفة كل ما يدور بأمانة، وبين الترويج للشائعات والحض على العنف والتمييز والخوض في الأعراض.

لقد تم إعداد القانون وهناك للبعض ملاحظات عليه ولكنه ليس قرآنًا كريمًا لأنه من صناعة البشر، ويمكن أن تتعرض بعض مواده للتعديل والتغيير وهو دور مجلس النواب، لكن الغريب والمريب أن الحكومة تمسك بمشروع القانون وترفض تقديمه وتتجاهل أنها هي من تقف حائلا لمنع الفوض الإعلامية، وكأنها تصر على أن تكون صورة الإعلام سلبية في عين الشعب والحاكم لتفقد مصداقيتها، وبالتالي تفقأ العيون التي تنقل الحقائق للرأي العام، وهنا تأمن على نفسها فتعيش كالخفافيش في الظلام دون أن تلاحقها أشعة الشمس.
الجريدة الرسمية