رئيس التحرير
عصام كامل

اللى يتكسف من بنت عمه!!


صلوا بينا على النبى وكل من ليه نبى يصلى عليه ! ما قدمته الحكومة للشعب لا علاقة له بكلمة خطة كما درسناها في قواعد التخطيط فأول درس تلقيناه أن الخطة لابد أن يكون لها أهداف محددة.. قابلة للقياس.. قابلة للتحقيق بالنسبة للإمكانات المتاحة (تمويل وموارد بشرية وظروف ملائمة)... قابلة للتعديل أثناء التنفيذ بعد تقييم دوري.. ولها جدول زمنى.. وإذا كان لزامًا عليَّ البحث فيما يربو على مائتي صفحة قدمتها الحكومة للشعب كخطة مطروحة للموافقة على التنفيذ لنرى ونقيم أهداف هذه الخطة في نواحي الحياة المختلفة ومدى توافر ما ذكرناه من قواعد علمية وموضوعية قبل أن نتطرق إلى تفاصيــل الخطـــة.


وعلى نواب الشعب أن يفصلوا تمامًا بين ما تفرضه السياسة وموازين القوى واحتياجات الشعب الحتمية التي من دونها يمكن أن ينتج ما يهدد ليس مستقبل مصر بل كيان الدولة ذاتها.. إن ما يسوق من حتمية الموافقة على بيان الحكومة كما ورد على لسان المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، بحجة أن الوضع السياسي يتطلب الاستقرار ومنح فرصة للوزارة للعمل دون مناقشة حقيقية وتصويب للأخطاء واستحداث للنقائص هو الذي يذهب بمصر إلى المجهول.

ففى ظل أوضاع اقتصادية غاية في الدقة وأوضاع اجتماعية وخدمات غاية في التردي ليس من المقبول أن نسمح تحت أي ظرف من الظروف بخطط شكلية تؤدى إلى انفجار الأوضاع، وهو الثمن الذي لم يعد لدينا رفاهية مجرد القبول باحتمالية حدوثه.

ولنأخذ الصحة كمثال فهى الجانب الذي يظهر بفضل ارتباطه بالحياة والموت ضغطًا شديدًا على كل السياسيين فيقدمونه على التعليم الذي لا يشكل ضغطًا ميدانيًا كبيرًا رغم أنه أخطر الخدمات وتدهوره هو السبب الرئيسى لتدهور كل ما في الحياة في مصر ومنها تدهور الخدمات الصحية نفسها، والذي يقع تدهور التعليم الطبى والتدريب في مقدمة أسبابه.

أعلنت الحكومة عما سمته محاور خطة الصحة والتي عددت فيه أحد عشر بندًا لم يتضح لى أي معيار موضوعى فيما سيق عنها بما قد نعتبره خطة تنفيذية.. التأمين الصحي مثلا هو مشروع قومي منذ التسعينيات وتم إعداد عشرات من مشروعات القوانين له إلا أن العالمين بالأمور يعرفون أن القانون هو مجرد عجلة للقيادة وأن السيارة لابد أن تكون مكتملة حتى يمكن التحرك بها وأن قدرة السيارة وكفاءتها الذي يحددها قوة الموتور والهيكل واحتياطات الأمان وليس جمال عجلة القيادة.

وأشهد أن قوانين التأمين الصحى الحالية قوانين عظيمة لا يعيبها إلا نقص التمويل بسبب التدخلات السياسية في تحديد مقابل تلقى الخدمة (الاشتراكات) وأن هذا هو أهم أسباب تدهور النظام الصحى على الإطلاق وللأسف لا يستمع إلينا الكثيرون عندما نصر على أن ارتكاب نفس الخطأ نخشى أن يؤدى إلى نفس النتائج وهو انتظار الرأى السياسي في تحديد تكلفة الخدمة وحساب التكلفة على الوضع الفاسد الحالى الذي يقدر أجر الطبيب بثلاثة جنيهات في الساعة وأجر الممرضة بجنيه واحد في الساعة ولا يتضمن تكلفة صيانة للأجهزة والمنشآت والإحلال والاستبدال والتطوير، (بالإضافة إلى التوسع الحتمى المتناسب مع زيادة السكان) ثم ندعى أن النظام المقبل سيكون أفضل دون حساب التكلفة الحقيقية لخدمة تسمح برواتب تكفي لحياة كريمة وتفرغ لأعضاء الفريق الطبي للعمل في مكان واحد لمنع تضارب المصالح وتسمح بصيانة تضمن استمرار الأجهزة والمنشآت قادرة على العمل.

ثم نأتى للكلام عن فيروس سى.. نجم الموسم منذ ثلاث سنوات رغم أنه ليس أهم أسباب وفيات المصريين (1- انسدادات الشرايين التاجية 22%، 2-السكتة الدماغية 14.5%)، حيث تمثل مضاعفات أمراض الكبد كلها بما فيها الفيروسية نحو 7% من وفيات المصريين ولا أهم أسباب الإعاقة ولا أهم أسباب الإجازات المرضية لكن ما ينفق على فيروس سى أكثر من عشرة أضعاف ما ينفق على باقى الأمراض المزمنة مجتمعة والسبب معروف طبعًا (هو التعويض عن جهاز وعد به الرئيس لعلاج هذا المرض في حملته الانتخابية)، لكن ما يحدث يقتل مرضى أمراض أخرى أضعاف ما ينقذ من مرضى فيروس سى، ولابد من توزيع الموارد توزيع موضوعى على مكافحة كل الأمراض تبعا لخطورتها وتأثيرها الكمى والنوعى مع الاهتمام بالمحور الوقائى كأهم محاور إصلاح النظام الصحى (وهو المحور الذي تم ذكره ضمنيًا في كلمتين في ما يسمى خطة الحكومة)، حيث إن المعروف اقتصاديًا أن كل جنيه يصرف على الوقاية يوفر 4 جنيهات من ميزانية العلاج ويزيد الناتج القومى 9 جنيهات.

ثم نأتي لمحور تدريب الأطباء وهو أيضًا حلم جميل لم نر له خطة ولا تمويل ولا هدفًا واضحًا من هذا التدريب.. فمن يقول لى إنى سأرسل 1000 طبيب للتدريب بالخارج عليه أن يتوقع أن أول سؤال في أي تخصص وكيف تم تحديد الأعداد المطلوبة في كل تخصص دون وجود خطة موارد بشرية واضحة وأي تدريب طبي يمكن أن ينتهى في عام واحد؟ وما هي الخطة بعد التدريب؟

لا أريد أن أطيل عليكم لكنني بمنتهى الصراحة أحبطت كثيرًا مما قرأت فهو أقرب إلى الأحلام الجميلة منه إلى الخطط التنفيذية وأتمنى أن يكون البرلمان على مستوى المسئولية وأن يتوقف طويلا بالبحث والنقاش وأن يجبر الحكومة على وضع خطة حقيقية وليس مواضيع إنشائية وأن يقبل تشكيل الحكومة مؤقتًا حتى تعيد طرح خطتها التنفيذية المتضمنة الأهداف الواضحة ومصادر التمويل المؤكدة والجدول الزممنى وكيفية الرقابة على التنفيذ وإمكانية التعديل.

دون ذلك فلا أتوقع أن يكون هناك تغيير حقيقى.. مهلا.. جاءنى الآن أن البرلمان قد قرر بالمخالفة للدستور السيطرة على موازنته ومنع رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات لميزانيته وإعفاء أعضائه من الضرائب.. ولا أعرف لماذا يخطر ببالى الآن الزعيم الراحل سعد زغلول -رحمه الله- وهو يقول غطينى وصوتى يا صفية.
الجريدة الرسمية