رئيس التحرير
عصام كامل

الرئيس.. والثقافة


لفت انتباهى لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع المثقفين؛ وهذا يدل على حرص سيادته على التواصل مع الدوائر الفكرية بل حرصه واهتمامه بالثقافة، وعندما علمت بعض أسماء من المجموعة التي التقت مع الرئيس تبادر إلى ذهنى بعض الأسئلة والتي تلح على كثير من أذهان البعض ألا وهى: من هو المثقف؟ وماهو دور المثقف نحو المجتمع وما صفاته؟ وما هي المشاريع الفكرية التي يجب على المثقف طرحها لبناء مجتمع واعٍ؟ وما الفرق بين المثقفين وأشباه المثقفين؟ إلى غير ذلك من قبيل هذه الأسئلة.


فقد كثر الحديث عن الثقافة وعن التنوير وعن تجديد الخطاب بكل أنواعه، وهناك من يوحد بين المثقف من جهة والمتخصص في أي مجال من المجالات من جهة أخرى، والحقيقة أن المثقف هو من يضيف إلى تخصصه اهتماما بالمجالات الثقافية على اختلاف أنواعها ومظاهرها، وبما تشمله من فنون وآداب، والمثقف هو المنشغل دائما بقضايا مجتمعه، لأن الثقافة هي الكيان المادى والروحى للمجتمع؛ ويدخل في ذلك التراث واللغة والدين والعادات والممارسات والمعايير وكل المعلومات والمهارات التي يمتلكها البشر.

ومن خصائص الثقافة أنها تنشأ في مجتمع معين، وتظهر في سلوك المجتمع، وقابلة للتناقل، ولها صفة الاستمرار عبر الزمن من خلال ميراث اجتماعى، وتتوافق مع البيئة الجغرافية بل تشتمل على المعرفة والعقائد والفنون والقيم والعادات، وأن جوهر الثقافة هو التعليم، فالثقافة تنظيم يقوم على التفاعل الإيجابى.

ويجب أن يمتلك المثقف أيضا عدة صفات، أن يكون مستنيرا وليس منغلقا على نفسه، وأن يكون عقله مفتوحا على كل التيارات مع الاحتفاظ بهويته، فالمثقف ثقافة حقيقية لا يلجأ إلى أي نوع من أنواع الإرهاب الفكرى "فالعقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر"، بل يلجأ إلى الحوار الهادئ المستنير ولا يلجأ إلى الضغط أو الإرهاب، وأن يكون له وجهة نظر بناءة للمجتمع ويمتلك القدرة على التحليل والموازنة بين الأحداث الاجتماعية والثقافية، وأن ينعكس سلوكه على حياته اليومية.

ولذلك فالرؤية المستقبلية في مصر يجب أن تقوم على نهضة ثقافية تكون بمثابة أيدلوجية للانفتاح على كل الأفكار والتيارات بصورة موضوعية؛ فالتحدى الثقافى في اللحظة الراهنة يُعد على رأس التحديات التي تواجه مصر، فالكل ينظر إلى التحديات السياسية والاقتصادية وضغط القوى المحلية والإقليمية والعالمية على الوضع المصرى الراهن، ولا يُنظر باهتمام إلى الأخطاء التي مرت بمصر وتمر بها الآن، والتي ترجع إلى أزمة الثقافة السائدة من تجهيل ثقافى لعموم الشعب، وانفصال المثقفين عن الواقع الفعلى للمصريين؛ فوجدنا الطائفية وانعدام مفاهيم المواطنة وانعدام مفاهيم المعرفة والإبداع والتنوير، بل ولم تُزرع ثقافة الاتجاه النقدى؛ فأصبح النقد والاختلاف سبًا للآخر.

ومن ثم أثر ذلك على الجوانب الاجتماعية والسياسية التي لا يمكن فصلها عن الجوانب الفكرية والثقافية، ودخلنا في نفق تتصارع فيه مختلف القوى نتيجة لانعدام خطاب "تحديد الهوية الثقافية المصرية" في السنوات الماضية من قبل المنتفعين، وترتب على ذلك تعاظم أعداد التيارات المتطرفة في القرى والنجوع واستخدمت المشهد السياسي، الذي أثر على مصر كثيرًا لعدم إدراك قطاعات من المجتمع للقيم والمفاهيم الثقافية الإيجابية كالتنوير والعقلانية والاختلاف مع الآخر واحترامه، فقد غاب أساس البناء على العقل؛ لأننا فقدنا المناخ الفكرى التنويري وافتقدنا الرؤية الثقافية وقيم الحوار وإبراز الأفكار البناءة التي تفيد المجتمع والدولة.

كل هذه الأفكار قد تبادرت إلى ذهنى عندما رأيت اهتمام السيد الرئيس بالثقافة من خلال مجموعة من المثقفين بعضهم عاصر أكثر من رئيس وما زالت المشكلات التي تتعلق بالثقافة، ونتج عنها كثير من المفاهيم المغلوطة قائمة !!!
الجريدة الرسمية