رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات خادم المسيح مع «الرئيس» المؤمن والمخلوع

البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث

الدماء الشابة التي اختارتها العناية الإلهية لترث البابا «كيرلس السادس» أعلنت من البداية أن الأقباط سيكونون جزءا لا يتجزأ من نسيج الوطن، ومن هنا بدأ الراهب الشاب «البابا شنودة الثالث». في اتخاذ خطوات جادة لتخطى الخطوط الحمراء تمثلت في أن الكنيسة القبطية ستتغير مع الوافد الجديد وتتحول لمؤسسة تمتلك المقدرة على التفاعل مع الوضع السياسي والاجتماعى والاقتصادى المصرى.


المثير في الأمر أن حالة التمرد التي أعلنها البابا من البداية على العزلة لم تتوقف عند حد الخروج للعالم الخارجى بعد سنوات من الابتعاد فقد عرف عن البابا شنودة الثالث أنه صاحب شخصية قيادية ويمتلك كثيرا من مقومات الزعامة وهى صفات أكد كثيرون أنها كانت دائما مصدر إزعاج ليس للبابا فقط ولكن لمن حوله وتحديدا الرؤساء والبداية كانت مع الرئيس السادات الذي كشفت شهادات عديدة أنه لم يكن يميل لاعتلاء شنودة المقعد البابوى ولذلك كان الصدام بين البابا والرئيس أسرع مما توقع له الخبراء والمحللون السياسيون فقد وقع بينهما بعد ستة أشهر من انتخاب «شنودة» وكان السبب بناء كنيسة بغير ترخيص في منطقة «الخانكة» بالإسلوب القديم والمتمثل في شراء قطعة أرض وإحاطتها بسور ثم تحويلها لملعب فملتقى دينى وأخيرا تصبح كنيسة بعد أن يوضع فيها المذبح.

ومن جانبها طبقت وزارة الداخلية أحكام الخط الهمايونى القديم، فقامت قوة من الشرطة بإزالة بعض المبانى ومنعت استخدام المكان للصلاة، ومن جانبه لم يلتزم «البابا» الصمت وإنما أصدر أوامره في اليوم التالى لعملية الإزالة المجموعة بأن يقوم مجموعة من الأساقفة بتجهيز موكب ضخم في مقدمته ويسيروا ناحية مبنى «الخانكة» الذي تمت إزالته ليقيموا قداس صلاة بين الأطلال، والمثير أن «شنودة» أمرهم بمواصلة التقدم حتى لو أطلقت قوات الشرطة عليهم الرصاص، وبالفعل حاولت وزارة الداخلية اعتراض الموكب الكنسى لكنه أكمل طريقه حتى النهاية ليؤذن ببداية عصر الخلاف والخصام الشديد بين البابا والرئيس المؤمن.

السادات غضب واعتبر موكب القساوسة وأوامر البابا تحديا شخصيا له وقرر المواجهة وحسم الموقف بإلغاء الاحتفالات وهو قرار قابلة أعضاء المجمع المقدس بالإعلان عن استعدادهم لأن يدخلوا عصر استشهاد جديد من أجل الدين والثبات فيه وذلك تعليقا على «قانون الردة» وانتهز السادات فرصة احتفالات 15 مايو، وألقى خطابا في مجلس الشعب ذكر فيه أن لديه معلومات عن المطامع السياسية للبابا الذي يريد أن يكون زعيما للأقباط في مصر ولا يكتفى برئاسته الدينية لهم، وأن البابا وفقا للتقارير التي بين يديه - السادات - يعمل من أجل إنشاء دولة للأقباط في صعيد مصر تكون عاصمتها أسيوط.

وعاد السادات إلى أحداث1972 واتهم قيادات الكنيسة بأنها المسئولة عن أحداث الفتنة الطائفية منذ 1972 وحتى ذلك الوقت ومال السادات في تفسيره لموقف الكنيسة إلى المنهج التآمرى فقد كان في اعتقاده - وفقا لما جاء في خطابه - أن هناك مخططا قديما منذ تولى البابا شنودة كرسى البطريركية يهدف إلى قيامه بدور زعيم سياسي للأقباط وأن تنفيذ هذا المخطط بدأ بشكل واضح مع أحداث الخانكة 1972.

الصراع بين البابا والرئيس لم يتوقف عند هذا الحد لكنه أمتد لمناطق أكثر سخونة ووصل لقمته عندما قام الرئيس الراحل أنور السادات بإعلانه إلغاء قرار رئيس الجمهورية بتعيين البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وتشكيل لجنة للقيام بمهام البابا من خمسة من الأساقفة.

وقال السادات في الجلسة ذاتها «لقد أجريت هذا بعد أن استشرت المخلصين للبلاد والكنيسة، وعلى هؤلاء الأساقفة سرعة معالجة الشعور القبطى في الداخل والخارج، وكسر روح التعصب والحقد، وبث روح المحبة والسلام، وعلى هذه اللجنة أن تتقدم للدولة بكل الاقتراحات المناسبة لإعادة الكنيسة إلى وضعها التقليدى الأصيل، كنسيج حى في جسم الدولة، وترشيد روح المحبة والحكمة والوداعة والصبر تجاه جميع الطوائف، والتي كانت فيه رائدة لكل كنائس العالم.

طوال فترة حكم الرئيس مبارك لم يخرج من البابا لفظ واحد ضد النظام أو الدولة ولا حتى ضد أي من ممثليه كوزراء أو مسئولين حكوميين، رغم أن فترة التسعينيات وبدايات الألفية الثانية شهدت العديد من الحوادث مثل الاختلاف على بناء كنيسة أو خلافات شخصية عادية، وفى كل مرة اختار البابا الصمت أو الاعتراض بالاعتزال في دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون.
وكان البابا - حتى رحيله- يواجه مثل هذه الأحداث بالصلاة والاعتكاف في الدير وهو مايعرف بأسلوب المقاومة السلبية على غرار ماكان يفعله غاندى.
الجريدة الرسمية