رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا انسحبت روسيا من سوريا؟


في خطوة مفاجئة قرر بوتين سحب قواته من سوريا، وقال إن المهمة انتهت.. تصريح بوتين أعقبه ردود متحفظة من الولايات المتحدة، ثم ترحيب واسع بالقرار.. حزب بشار الأسد قلل من خبر سحب روسيا قواتها، فنشرت صحيفة الأخبار اللبنانية عدة تقارير تتغنى بالمستنقع الذي تركه بوتين للأمريكان، وأن روسيا مازلت تدعم بشار الأسد.. ونشرت تقريرًا عن أن أولويات دمشق ثابتة وأن محور المقاومة غير قلق.


هناك من يحلو له تبسيط خبر انسحاب روسيا من سوريا، وكأن روسيا انسحبت من برنامج تليفزيوني أو من مباراة في كرة القدم.. ولكن حتى قرار الانسحاب من برنامج تليفزيوني أو من مباراة كرة القدم يحتاج وقتًا لاتخاذه.. ردود أفعال معسكر بشار الأسد تبدو هادئة، فالزعيم خالد الذكر في نظر البعض، انتصر، والدليل انسحاب روسيا.

التقارير تؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية تلقى ضربات مؤجعة من قبل القوات الروسية، لكن ألا يعتبر إعلان سحب القوات تخليًا عن بشار الأسد.. التقارير التي لا ترغب الصحف أو الأحزاب المؤيدة لبشار الأسد تصديقها هو أن الرئيس الروسي ترك الأسد وحيدًا يواجه مصيره، وأن انسحاب روسيا دعوة لرحيل بشار الأسد وليس العكس.

موقع الصحافة الغربية Western Journalism كتب يقول إن بوتين لن يسحب قواته كلها، وأن الانسحاب جزئي.. ولكن حتى لو سلمنا جدلًا بصحة ما يقوله موقع الصحافة الغربية، فلماذا يعلن بوتين سحب قواته ويعرض الموجود منها للخطر؟ فطالما أنه انسحاب جزئي، ألم يكن من الأفضل لروسيا ألا تعلن خبر الانسحاب؟ بوتين قال إن روسيا ستنسحب لأن "المهمة تمت".. والسؤال، كيف تمت وبشار الأسد لا يسيطر ميدانيا على المدن المدمرة، وحزب الله ما زال داخل سوريا، ومفاوضات جنيف عن مستقبل سوريا معرضة للفشل كما سبق أن فشلت من قبل.

موقع ستارت فور STARTFOR والمتخصص في التحليل الاستراتيجي أكد في تحليل دقيق أن القوات الروسية ألحقت خسائر كبيرة بتنظيم الدولة الإسلامية، وأن التنظيم أضعف بكثير من خمسة أشهر مضت، ولكن لم يتم هزيمته بالكامل.. ووفقًا للموقع فإن السبب الحقيقي وراء الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا غير معروف.

وعددت "شبكة استراليا" Australia Network عدة أسباب للانسحاب الروسي، أولها: إن التدخل العسكري الروسي انحرف عن مساره بعدما وجهت روسيا ضربات موجعة لتنظيم الدولة الإسلامية وجدت نفسها تقصف المدنيين، وثانيها، هو تكلفة الحملة العسكرية الروسية والتي تكلف روسيا نحو 4 ملايين دولار يوميا.. أما السبب الثالث، فهو أن روسيا اكتشفت أنها لم تعد قادرة على تغيير الكثير في الشرق الأوسط عن طريق قوتها العسكرية، وأنها قررت ترك الأسد وحيدًا بجانب حزب الله، في مواجهة الولايات المتحدة والتحالف السعودي.

ورغم أن بعض المصادر في روسيا أعلنت أن القتال في مواجهة جبهة النصرة وتنظيم الدولة سيستمر، فإن المؤكد أن روسيا سحبت نحو 30 طائرة مقاتلة من بين 60 طائرة، وأن القوات الباقية هدفها تأمين القاعدة العسكرية الروسية في روسيا لحين الانسحاب بشكل نهائي.

ولكن لماذا يبدو أن هناك أمورا خفية في الانسحاب الروسي؟ لأن بوتين كان يستطع تقليل قواته أو سحبها بالتدريج دون الإعلان عن ذلك، لاستكمال دوره في دعم بشار الأسد.. كان يمكن لروسيا أن تبقى الموضوع في إطاره الاستخباراتي، على اعتبار أن تقليل الطائرات المقاتلة أو انسحاب بعضها سيتم رصده، وقتها كان يمكن لبوتين أن يستخدم تصريحًا يقلل من حجم انسحابه.

فلماذا تنسحب روسيا من معركة لم تحسم بعد؟ وألا يعطي خبر انسحاب روسيا زخمًا لداعش لمحاولة تجميع قواتها من جديد؟ أم أن روسيا رأت أن القادم أخطر على وجودها ولا سيما بعد تشكيل السعودية لتحالف ضد الإرهاب وإعلانها الحرب على حزب الله، وإعلانها قبل ذلك قرار الدفع بقوات برية في سوريا.. رغم التطبيل والتزمير، وحالة الزغاليط  –على الطريقة اللبنانية- التي أعلنتها الصحافة المقربة من بشار الأسد والتي تقول إن انسحاب روسيا يعني انتهاء المعركة، فإن الواقع يقول إن روسيا –ربما– انسحبت بعدما رأت في الأفق معركة تضعها في مأزق، وأن الانسحاب في الحقيقة "ليس بشرة خير" لبشار الأسد.
الجريدة الرسمية