رئيس التحرير
عصام كامل

مونديال قَطع الطريق!


لا أعلم إذا ما كان الدستور ينُص في إحدى مواده على أحقية أي مواطن في قطع الطريق أم لا، لكن سواء كان النَص موجودًا في الدستور مُحللًا ومسموحًا به، أو مُحرَّمًا ومُجرَّمًا، فهو مفروض وقائم على أرض الواقع، ومُكرر بطريقة شبه يومية، بدون أية قُدرة للدولة على المقاومة أو إبداء العين الحمراء للمتجاوزين؛ إذ لا يحق للشرطة أو الحكومة الاعتراض عمليًا على قطع الطريق، وإلا تسببا في إغضاب النشطاء وجمعيات حقوق الإنسان ومُتابعى (البرادعى) على تويتر، وكُلنا "عارفين" أن أبسط حقوق الإنسان في بلادنا في السنوات الأخيرة ليست الكساء ولا الغذاء ولا الدواء، لكن قطع الطريق طبعًا!


وتسألنى طيب الإنسان اللى الطريق بيتقطع عليه، وبتتعطَّل مصالحه، ويتوقَّف بسيارته أو بالأتوبيس في حالة شلل تامة، لا عارف يروح الشُغل، ولا يروَّح البيت، ولا المدرسة، ولا القهوة، ولا جنينة الحيوانات، المفروض يعمل إيه وهو ضحية قطع الطريق؟ أقول لحضرتك لازم يعترض، طيب يعترض عند مين؟ الحكومة؟ الشرطة؟ مجلس النواب؟ طبعًا لأ.. المنطق الجديد يقول إنه سيعترض على طريقة "وداونى بالتي كانت هي الداء"، فلازم يجيب تلاتة أربعة سبعة آلاف من زملائه المُتضررين أو أصدقائه المُتعاطفين ويقطعوا الطريق هُما كمان علشان يعلنوا عن وجودهم وأعدادهم وقوتهم ومدى تأثيرهم!

وخُد بالَك كُلَّما قطعت الطريق في مكان حيوى مُهم، كُلما ظهر مدى نفوذك وتأثيرك، يعنى اللى بيقطع كوبرى أكتوبر غير اللى بيقطع المحور غير اللى بيقطع طريق إسكندرية الزراعى، غير اللى يولَّع شارع الهرم أو يعمل شلل في المُهندسين أو يوقَّف شارع القصر العينى، ولو قدرت تستقطب معاك ناس مشهورين من عُشاق الهيصة زى المُهندس دائم الغضب (م.ح)، أو المُرشَّح عاشق الفشل (ح. ص)، أو الفنان سريع الاشتعال (خ. ص)، سيكون يا سعدَك يا هَنَاك، وستتحوَّل من ضحية إلى جلاَّد، وبدل ما إنت مش عارف تمشى علشان غضب سواقين التاكسى، ومش قادر تتعالج علشان زعل الأطباء، ومعندكش فُرصة تعيش علشان قمصة أمناء الشُرطة، فخليك زيُهم يا أخى!

وبما أن كُل دولة في العالم تتميَّز بمُنتَج محلى غير موجود عند غيرها، فإيه المانع إننا نتخصص في الإضرابات والزعل والقمص وقطع الطريق؟ إحنا عندنا مُحترفين توليع زى برامج الخامسة عشرة مساءًا، ولدينا مُتخصصين اعتصامات بالدعم اللوجيستى والحنجورى زى المُهندس (م.ح) المذكور اسمه بعاليه، ومفيش أكتر من المُتفرغين للتنظير الهايف اللافف الداير اللى تقعد تسمعه عشر ساعات من غير ما تستفيد بحاجة زى برضو دائم الفشل (ح. ص)، دة غير دائم الإصرار لدرجة التناحة دكتور (س. إ) مُتخصص قسم المُبادرات المشبوهة في الشرق الأوسط وأفريقيا، واللى مُمكن يقوم بتقديم مُبادرة في غضون أيام تنُص على تصالُح الدولة مع مُهربى المُخدرات والمُغتصبين وتُجار السلاح، على أساس أن المُجتمع مش ناقص قلة كيف، وأن الاغتصاب ليس مُفزعًا إلى هذه الدرجة ولا يخلو أبدًا من بعض اللذة، كما أن السلاح وتجارته لا يُمكن أن يكونا جريمة كاملة لا سيما وإنه بيفتح بيوت وبيقضى على البطالة!

إذن من حق الجميع أن يقطع الطريق، الطالب اللى يلاقى الامتحان صعب أو الرافض للتواجُد في المدرسة، من حقه أن يقطع الطريق، اللى عنده طفل تايه أو معزة شاردة من حقه يقطع الطريق، الطبيب اللى عايز حصانة وفلوس زيادة وعدد أكبر من الفوط علشان يسيبه في بطن المريض يقطع الطريق ويضرب عن العمل حتى يتم توفير العدد المُناسب من الفوط له، الموظفون يقطعون الطريق بسبب قانون الخدمة المدنية الذي سيتسبب في خفض عدد مرَّات تناول الشاى والقهوة والفطار يوميًا في الديوان من عشرين مرَّة لتسعتاشر مرَّة بس، أصحاب المخابز المُعترضين لسَّة على منظومة الخُبز الجديدة والتي حوَّلتهم من أباطرة لتجارة الدقيق المُدعم في السوق السوداء لمساكين غلابة كُل مُهمتهم في الحياة هي صنع الخبز وبس من حقهم يقطعوا الطريق حتى تستجيب الدولة لمطالبهم وتصهين على موضوع الخبز والكلام الفارغ دة وتسمح لهم ببيع الدقيق المدعوم في السوق السوداء تانى!

وبعد أن يتحوًّل كُل الناس إلى قُطَّاع طرُق، وتتحوَّل كُل الطرُق إلى مسارح عمليات للإضرابات والزعل والتخييم في نهر الطريق، فسيكون على الحكومة أن تتدخَّل بحسم في المسألة، ومادام مش قادرة تمنعها فلازم تنظّمها، ولو نجحنا في ذلك التنظيم فسنكون حققنا طفرة اجتماعية واقتصادية حقيقية لا يُمكن أن تقل مُطلقًا عن طفرة تنظيم كأس العالم ذات نفسه، ومش بعيد نقدر نستضيف مُمثلين أجانب من دول أخرى علشان يقطعوا الطريق عندنا، وندخُل في مُنافسات مُثيرة حول ابتكار المزيد من الطرُق والأسباب الداعية لقطع الطريق، ونعمل لجنة تحكيم مُحايدة (أكيد مش مصرية ومش تبع جمال الغندور حتى نضمن الحياد بدون الشغل إياه)، علشان تختار مين أفضل مُبتكر لسبب جديد لقطع الطريق، واحد متخانق مع مراته، ست مش عاجبها الصبغة الجديدة اللى عملها الكوافير بتاعها، زبون معجبتوش الحلبة على القهوة، طفل ملحقش كارتون (توم وجيرى) من أوله، حما مش قادرة تنكد على جوز بنتها علشان قاعد بيشتغل في الخليج بعيد عن أنيابها..

 وللجميع حُرية الإبداع بعد كدة طبعًا، حتى وإن كان الداعى إن جماعة مش عاجبهم هذا المقال، بس ياريتهم ينتقوا طريق عليه القيمة لقطعه كنوع من المُجاملة للعبد لله!

وحتى عُشاق وأنصار-رغم قلة عددهم-(توفيق عكاشة) من حقهم الاعتراض وقطع الطريق بل والاعتصام فيه من أجل إعادة عضوية البرلمان وحصانته لـ(عكاشة) تانى علشان يلحق يعزم السفير الإسرائيلى على فطار أول يوم رمضان.. واقطعى وزغردى ياللى مانتيش غرمانة!
الجريدة الرسمية