رئيس التحرير
عصام كامل

الأمن وغياب المصداقية


"لماذا لا يصدق أحد تقريبا ما يصدر عن الأمن في مصر؟"، هذا السؤال كان أحد العناوين الرئيسية لمجلة "التايم" الأمريكية منذ أمس، والتي نشرت تقريرًا لمراسلها "جارد مالسين" عن اتهام وزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، للإخوان المسلمين وحركة حماس بالتورط في اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام السابق.


مجلة "التايم" قالت إن وزارة الداخلية تواجه اتهامات بإساءة استخدام قوات الأمن للسلطة، ودللت على ذلك باتهام ناشطين بقتل الباحث الإيطالي، بالإضافة إلى حادث إطلاق أحد أمناء الشرطة النار على سائق. وأضاف تقرير مجلة "التايم" أن دعوات الناشطين في مصر، وبعض وسائل الإعلام، بالإضافة إلى دعوات القانونيين بإعادة هيكلة الشرطة، وتورط رجال الشرطة في حوادث قتل، سيزيد من الشكوك الدولية في صحة اتهام حماس والإخوان بالقتل.

التناقض بين تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي حول العمل الإرهابي الذي تسبب في إسقاط الطائر الروسية في سيناء، وبين رفض الحكومة المصرية للاستنتاجات التي توصل إليها الروسيين و"المصادر الرسمية" –حسب تعبير المجلة–عزز فكرة غياب المصداقية حول ما يصدر عن المصادر الحكومية في مصر.

وبعيداعن نظرية المؤامرة على مصر التي يحلو للكثير أن يلوكها، حتى يظن البعض أن هناك مؤامرة كونية ضد رجال الشرطة، فإن الحقيقة تقول إن ممارسات بعض رجال الشرطة في مصر أدت إلى نشر صورة ذهنية سلبية عن الأمن في مصر. الحقيقة أيضا تقول إن تورط رجال الأمن في حوادث قتل وتعذيب مواطنين زاد من الشعور العام بأن الناس في مصر لا يأمنون على أنفسهم من سلطات الأمن.

هل هناك تقصير من وزارة الداخلية في توعية الضباط وأفراد الأمن؟ جريدة الوفد تجيبنا على هذا السؤال من خلال خبر نشره موقع الوفد عن اللقاءات التوعوية والتثقيفية التي يعقدها قطاع حقوق الإنسان في وزارة الداخلية بالتنسيق مع مديرتي أمن المنوفية والوادي الجديد للضابط بهدف – ودعوني أقتبس هنا من موقع صحيفة الوفد - "خلق جيل يتحلى بالخصاص المتميزة والشخصية الإنسانية التي تحافظ على القيم المهنية والسلوكية والمعايير الأخلاقية لرجل الشرطة". ولعله من المتوقع أن تكون وزارة الداخلية قد أصدرت توجيهات بعقد دورات مماثلة في سائر مديريات الأمن بالجمهورية.

أين المشكلة إذًا؟ وهل سيتغير سلوك بعض رجال الأمن بعد هذه الدورات التوعوية والتثقيفية؟ المشكلة في أن وزارة الداخلية كالمريض الذي يفضل الحصول على مسكنات بدلا من معالجة المرض الحقيقي. فالدورات التثيقيفة ما هي إلا مسكنات لن تلبث أن يضيع مفعولها بعض فترة – هذا بافتراض أن المفعول سيسرى على كل رجال الشرطة – ثم يعود المرض للظهور من جديد. والمشكلة في حقيقتها أكبر من ممارسات بعض رجال الشرطة.

وزارة الداخلية مثلها مثل أي وزارة تحتاج إلى إعادة هيكلة وإلى اختبارات نفسية "حقيقية" للضباط والأفراد للتعرف عن من لديه مهارات التعامل مع الجمهور داخل الأقسام، وإلى استبعاد من يفشل في اختبارات ضبط النفس واستخدام السلطة.

لكن البعض يفضل فكرة أن المشكلة لا تتعدى ممارسات فردية على فكرة وضع استراتيجية لإعادة بناء وزارة داخلية تحترم حقوق الإنسان في مصر، وتستعيد ثقة الشعب المصري بعد ثورتين. وزارة الداخلية تعاني مثلها مثل باقي الوزارات، فحالة بعض أقسام الشرطة – إن لم يكن معظمها -يرثى لها.

من المؤسف أن يكون هناك من يصدق أن حل المشكلة تكمن فقط في محاسبة المخطئين، من المؤسف أن تعتقد وزارة الداخلية أن الدورات التثقيفية ستخلق جيلا جديدا من الضباط. فجذور المشكلة تؤدى إلى مرض واحد، مرض "غياب العدل"، فكيف لضباط مطالبين بالقبض على نشطاء بدون تهم أن يؤمنوا بالعدل، وكيف لضباط وأفراد أمن يرون مواطنين على ذمة الحبس الاحتياطي بدون محاكمة لسنوات ثم تقنعهم بأن لهؤلاء المواطنين حقوق.

عندما يعيش رجال الشرطة العدل، ويرونه في معاملاتهم يقينًا، سيستعيد المصريون شعورهم بالأمان، وقتها عندما يسئ أحد رجال الشرطة استخدام سلطاته، ستجد معظم المصريين يقولون لك: "إنه مجرد حادث فردي". وبدون العدل لن ينصلح حال الشرطة، ولن تتغير ممارساتهم. شرطة مصر ستتغير عندما يكون العدل لدى رجالها عادة وقيمة يتربون عليها ويعظمونها كما يعظمون الرتبة الأعلى، وبغير ذلك لن ينصلح حالها، و"كفايّكم ضحك على الناس".
الجريدة الرسمية