رئيس التحرير
عصام كامل

يا حلاوة الدنيا بدون إخوان.. يا حَلَوْلَوْ ياحلااااوة


ظاهرة من أعجب وأغرب ما يمكن.. الرموز من مؤيدي وداعمي النظام والرئيس السيسي يتراشقون باتهام لا ينسحب عليه إلا وصف العَبَط والخَبَلان.. الخطير أن الاتهام رغم عبطه وغباوته قد يسحب المَوْصُوم به إلى حبل المشنقة إذا رَشَقت "الطوبة في المعطوبة" كما يقول المصريون، ويتم كَلْفَتَة الزبون بإجراءات متسرعة ويروح المسكين في السَّفِنجة.


الاتهام العبيط ليس بالفساد والسقطات اللاأخلاقية أو النذالة وقلة الأصل.. أنه الاتهام بالأخونة دون دليل أو أساس يعقل.. ألم تسمع عن اتهام وزراء بحكومتي إبراهيم محلب وشريف إسماعيل بأنهم إخوان؟ ألم تسمع عن اتهام فنانين وفنانات أسهموا في سقوط الإخوان بأنهم إخوان؟ ألم تسمع عن اتهام باسم يوسف بأنه عنصر إخواني؟ ألم تسمع منذ أيام عن اتهام الإعلامي خيري رمضان بأنه إخوان؟

دعك من كل هؤلاء.. الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه اتهم بأنه إخوان.. ألم يعلنها توفيق عكاشة عندما هاجمه على الهواء أيام محمد مرسي؟ بصرف النظر عن تبرير عكاشة بتنسيقه آنذاك مع أجهزة بالدولة.. لا تلتفت لكل ما سبق.. ألم يعلن مرتضى منصور أن المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية السابق إخوان؟ ثم تعال إلى الحدث الطازج وهو اتهام الداعية الموال للنظام حتى النخاع عمرو خالد.. وإن كان الاتهام بالنسبة له مبلوعًا لأنه لا يتحدث إلا بقال الله وقال الرسول.. في ظني لم يبق إلا اتهام سما المصري بالأخونة مادامت الحكاية على هذا المستوى من العبط.. لكننا في الأخير أمام ما يمكن أن نطلق عليه فوبيا الأخونة.

دعوني اعترف بأنني لم أسلم من فوبيا الأخونة، وسوف أسوق اعترافي موثَّقًا من خلال موقف غريب سوف أحكيه لك في آخر المقال.. غير أن الموقف قادني إلى إدراك حقيقة مهمة وهي أن لفوبيا الأخونة تاريخا ممتدا عبر سنوات طويلة.

اكتشفت أن هاجس الاتهام بالأخونة تسلل إلى وجدان الفنانين.. وتوصلت إلى تلك الحقيقة عندما استمعت إلى طقطوقة "ياحلاوة الدنيا ياحلاوة ياحلَوْلَوْ ياحلاوة".. وهي بالمناسبة مصنفة ضمن أعظم 100 عمل غنائي عربي.. من تأليف كبير الأسطوات الأسطورة بيرم التونسي وألحان الهَرَم عمنا الشيخ زكريا أحمد.. أول من غنتها المطربة فتحية أحمد الملقبة بمطربة القطرين "1898 ــ1975م" وغنتها في مسرحية اسمها "يوم القيامة" بالثلث الأول من القرن الماضي.. ثم غناها مطربون كُثْر من بعدها.

الطقطوقة في حد ذاتها ليست موضوعيًا.. وإنما موضوعي هو الربط بين شطرة وردت بها وبين فوبيا الأخونة.. استمعت إلى تسجيل بصوت المطربة الرائعة حورية حسن في حفل ساهر سنة 1961م.. في الأغنية تصل حورية إلى شطرة تقول: أحباب والأنس يجمعنا / إخوان لاعداوة ولارَدَاوة.. لاحظت أن حورية قالت إخوان أول مرة، وعندما أعادت الشطرة طيرت كلمة إخوان وقالت: أحباب لا عداوة ولارداوة، وكررتها كما لو كانت تقول والنبي مااقصد!

أما عمنا الشيخ سيد مكاوي رغم أنه من أشهر من أسهموا في إحياء التراث الغنائي فإن رعب الاتهام بالأخونة أصابه أو ربما كانت التعليمات لا سيما أنه غنى يا حلاوة الدنيا في النصف الثاني من القرن الماضي وكان العداء للإخوان ما زال ساخنا.. فحذف كلمة إخوان وقال "لا فراق"..وجاءت الشطرة هكذا: أحباب والأُنْس يجمعنا / لا فراق ولا غدر ولا عداوة.

هنا قررت أن أكون منصفًا وقلت ربما لم ترد مفردة إخوان في النص الأصلي.. لكني لم أعثر على الطقطوقة في نسخة الأعمال الكاملة لبيرم التي أحتفظ بها ضمن كراكيبي.. فقررت العودة لأول قطفة وسماعها بصوت فتحية أحمد.. ووجدت أن الأصل في الطقطوقة وجود كلمة"إخوان".. فقطعت بأن حذف إخوان كان في مرحلة المواجهة مع الإخوان وهي فترة عبد الناصر 1954-
1970م..

ويلاحظ أن حورية حسن لما لحقت نفسها وغيرتها كانت في حفل ساهر عام 1961م ونظام ناصر كان في عنفوانه.

أما الموقف الذي تعرضت له.. كنت اقف في البلكونة بالدور الأول استمع إلى حورية حسن.. وصوت الأغنية يصل إلى الشارع.. حورية قالت (إخوان) فتطلع رجل إليَّ بنظرات الله لا يوريك.. فما كان مني إلا أن أشرت بإصبعي ناحية البلكونة المجاورة لكي يلبسها جار العزيز.. حكيت الموقف لصديق فقال لي الأترى إن إشارتك على بلكونة جارك قلة أصل لأنه ربما يشيل الليلة في أجواء ما يعلم بها إلا الله؟ قلت له اطمئن ياعزيزي.. جار لن يلبس القضية لسبب بسيط وهو أنه مسيحي.. قال صاحبي ولو! لكني الآن أصدقه.. فمنذ أيام فقط اتهم الكابتن عزمي مجاهد كلا من الطبيبة منى مينا وعم جورج إسحق بأنهما إخوانيان.
الجريدة الرسمية