رئيس التحرير
عصام كامل

الإضراب حق أم جريمة؟


أعاد تحرك الأطباء الأخير ردًا على الجرائم التي ارتكبها 9 من المتهمين ضد أطباء مستشفى المطرية أعاد النقاش حول مشروعية الإضراب بين قوى نقابية وسياسية ترقع المادة 15 من الدستور المصرى (2014) والتي تنص على "الإضراب السلمى حق ينظمه القانون" دليلا على مشروعية التوقف عن العمل كوسيلة سلمية للتعبير عن الرأى عند فشل كل الطرق في إقرار الحقوق القانونية، ومن الثابت من كل أحكام المحكمة الدستورية العليا أن الحق الدستورى لا يمكن أن يقيده القانون وإنما ينظمه بتحديد الطريقة المنظمة والواجبات قبل وأثناء وبعد الاستفادة من الحق الدستورى، وكذلك حماية حق اللآخر ومصالحه التي قد تتضرر عند ممارسة هذا الحق.


والحقيقة أن لدينا مشكلة ثقافية كبيرة بين طرفى معادلة الإضراب وهى السبب الرئيسى للصدامات المستمرة بين مؤسسات الدولة والعاملين بها، فالحكومة التي تدير مؤسسات الدولة والإعلام الذي يتهمه الكثيرون بغياب الاستقلالية بل بالانحياز في بعض الأحيان -والذي قد يصل إلى حد التبعية عند بعض الإعلاميين- تحاول تصوير الإضراب على أنه جريمة وليس حقا دستوريا يمارسه كل البشر في كل أنحاء العالم والتهم مكررة ومعروفة فإضراب القطاعات غير الحيوية يوقف عجلة الإنتاج ويضر بدولاب العمل وغيرها مما اعتدنا سماعه من تصريحات من المسئولين والإعلاميين، أما إضراب القطاعات الحيوية فهو يدمر الاقتصاد ويقتل المرضى ويحقق مآرب الأعداء حتى وإن كان إضرابا جزئيا لا يؤثر فى استمرار الإهمال الحيوية والطارئة.

وعلى الناحية الأخرى يرى بعض العاملين أن الإضراب وسيلة عقابية وانتقامية من صاحب العمل أو الحكومة تصحبها في أحيان كثيرة دعوات لإسقاط وزراء وحكومات ولا تتخذ النسق التدريجى المعروف عن الإضرابات في الخارج والتي تستهدف بالأساس التعبير عن الرأى ودفع عجلة التفاوض وليس إيقاع الضرر بصاحب العمل أو الإدارة.

وقد لا يعلم الكثيرون أن أول إضراب عن العمل سجله التاريخ كان في مصر عندما أضرب العمال عام 1152 ق.م إبان حكم الملك رمسيس الثالث أشهر حكام الأسرة العشرين الفرعونية وأن على المصريين أن يفخروا أن الدستور المصرى الحالى قد أعطى الحق في الإمتناع عن العمل في العديد من مواده، والتي بلغت 9 مواد تبدأ بالمادة 12 (مادة العمل) "العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة.. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل" فقد جعلت المقابل العادل وعدم الإخلال بالحقوق الأساسية شروطا للعمل ومنعت الإجبار على العمل إلا بقانون وفى خدمة عامة ووقت محدد..

المادة 13 وفيها "تلتزم الدولة بحقوق العمال" ومنها الحق في الإضراب السلمى والمادة 14 وهى تخص العاملين بالدولة وفيها "وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم" ومنها الحق في الإضراب.. والمادة 15 "الإضراب السلمى حق ينظمه القانون" والمادة 53 "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة" وحق الإضراب من تلك الحقوق والمادة 65 "حرية الفكر والرأى مكفولة.

ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر" حيث إن الإضراب وسيلة للتعبير عن الرأى والمادة 73 "للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون" والإضراب نوع من الاحتجاج السلمى والمادة 92 "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا.. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها" فلا يمكن أن يصدر قانون يحرم بعض المواطنين من حقهم الدستورى في الإضراب..

والمادة 93 "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة" ومنها الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/ 12/ 1966، وقد دخلت تلك الاتفاقية حيّز التنفيذ الفعلي ابتداءً من 3/ 1/ 1976 وقد وقعت عليها مصر بتاريخ 4/ 8/ 1967، كما صدّق عليها رئيس الجمهورية بتاريخ 8/ 12/ 1981، وقد نُشرت الاتفاقية المذكورة في الجريدة الرسمية المصرية في 8/ 4/ 1982، وأصبحت قانونا مصريا اعتبارًا من 14/ 4/ 1982 وتنص المادة 8 فقرة د من الاتفاقية المشار إليها والتي تتضمن أنه:

1-تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بأن تكفل: (د) الحق في الإضراب على أن يُمارَس طبقا لقوانين القطر المختص.

2-لا تحول هذه المادة دون فرض القيود القانونية على ممارسة هذه الحقوق بواسطة أعضاء القوات المسلحة أو الشرطة أو الإدارة الحكومية".. ومن كل ذلك يتضح أن الإضراب حق لجميع العاملين إلا أن القانون وجب عليه تنظيم هذا الحق بما يمنع وقوع الضرر على باقى المواطنين ومن ذلك منع الإضراب الكلى في الأماكن الحيوية.

وعلى الطرف الآخر سنت كل الاتفاقات الدولية والقوانين المحلية واجبات على من يرغب في الإضراب ومنها عدم جواز إعلان الإضراب قبل الدخول مفاوضات جدية لفترة معقولة ومنها قيام النقابات بالتنظيم وقيامها بإخطار جهة الإدارة رسميا قبل بدء الإضراب يفترة كافية ومنها عدم جواز الإضراب أثناء اتفاقية تم التوصل إليها سلفا ومنها عدم تقاضى أجر عن أيام الإضراب ومنع الإضراب الكلى في الأماكن الحيوية فالغرض من الإضراب هو التعبير السلمى عن حالة الغضب أو الرفض ودفع المفاوضات للتوصل لحلول دائمة وليس الانتقام أو العقاب الجماعى.

والإضراب أنواع عديده منها الكلى والجزئى والتباطؤى والمحدد المدة والتصاعدى والمفتوح ومنه أيضا الإضراب التعاطفى والإضراب عن الطعام.. أتذكر اننا في أثناء السنوات التي قضيتها في فرنسا كنا نستمع إلى نشرات الأخبار في المساء لنعلم أين سيكون الإضراب القادم في اليوم التالى فلم يكن يكاد يمر أسبوع دون أن تسمع أن هناك إضرابا ما ولكن بطريقة متحضرة يراعى فيها حقوق الجميع وتراعى فيها مؤسسات الدولة تخفيف الآثار المترتبة عليه دون أي هجوم أو اتهام أو تجريم للمضربين، وكان العاملون دائمًا يضربون بشكل يوصل رسالتهم للمجتمع دون استعداء له وكان المجتمع دائما في صف المضربين لأن وصول العاملين للإضراب معناه فشل الإدارة في إدارة الأزمة أكثر من أي شيء آخر.

علينا أن نسن قانونًا ينظم الإضراب ولا يمنعه ويعطى للعاملين حقهم في التعبير ويلزمهم بواجباتهم أثناء ممارسة حقوقهم وعندها يمكن أن تتغير ثقافة الإضراب المجرم عند الإدارة وثقافة الإضراب العقابى عند العاملين.
الجريدة الرسمية
عاجل