رئيس التحرير
عصام كامل

كيف يمكن أن تدعم الصحة الاقتصاد؟


تعلمنا في دراستنا لاقتصاديات الصحة أن كل جنيه ينفق على الصحة يعود على الدخل القومى بـ 9 جنيهات وأن كل جنيه ينفق على الطب الوقائى يوفر 4 جنيهات من الإنفاق على العلاج فالإنفاق على الصحة وخاصة التثقيف الصحى والصحة الوقائية يصب حتما في منع الكثير من الأمراض مما يقلل من توقف العاملين عن العمل بسبب المرض ناهيك عن الكشف عن الأمراض في مراحل مبكرة تقلل تكلفة العلاج ومنع انتشار الأمراض المتوطنة والتي تكلف الدولة المليارات سنويا.


وتتركز جهود كل المهتمين بالصحة الآن في إعداد صيغة توافقية لمشروع قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الذي نص عليه الدستور لكن السؤال هل يمكن أن يتضمن هذا القانون ما قد يساهم في تعافى الاقتصاد المصرى من عثرته الحالية؟ أستطيع أن أقول وبكل ثقة: إن هذا القانون من الممكن أن يكون من أكبر الفرص لدعم الاقتصاد القومى وأسرد هنا بعض النقاط التي يمكن معالجتها من خلال هذا القانون:

1- تخفيف العبء عن الفقراء الذين سيتأثرون حتما بفاتورة الإصلاح الاقتصادى الذي يحتم رفع الدعم العينى تدريجيا ولا بد من موازنة ذلك بتخفيض كبير في إنفاق الأسرة على الصحة فالدولة ستدفع اشتراكات غير القادرين وبذلك يتم توفير كل ما كان ينفق على العلاج والدواء وهو ما قد يساعدهم على تحمل آثار الرفع التدريجى للدعم.

2- تظل مشكلة الزيادة السكانية المطردة التي تصل إلى 2.5 مليون مولود جديد كل عام هي أكبر تهديد لكل خطط التنمية، حيث تيقى هذه الزيادة على الفجوة بين الخدمات المطلوبة وما يمكن تقديمه بل تزيدها اتساعا عاما بعد عام خاصة في متطلبات الصحة والتعليم وقد فشلت كل جهود محاولات الخفض من نسبة النمو السكانى حتى الآن ربما بسبب عدم تحميل أفراد الشعب مسئولياتهم في المشاركة في حل المشكلة إلا أن القانون الجديد يتيح فرصة ذهبية لتطبيق ذلك برفع اشتراك الطفل الرابع ومن بعده الذين يولدون بعد عام من صدور القانون أي أنه لا يطبق بأثر رجعى ويمنح فرصة لكل حامل أن تضع حملها قبل تطبيق هذا على كل من يقوم بإنجاب طقل رابع أو أكثر بعد ذلك وهو ما قد يساهم في تقليل معدل الزيادة السكانية وزيادة الاشتراكات المتحصلة أي مزيد من الدعم لصندوق التأمين الصحى.

3-تأتى مشكلة ضعف الموازنة العامة والبطالة كأهم التحديات العاجلة للإصلاح الاقتصادى ويستطيع القانون المساهمة في علاج ذلك بربط استحقاق المواطن لدعم الدولة لاشتراكه في التأمين الصحى بقيامه بواجبه بالمساهمة في التنمية فيكون الدعم لكل عائل لأسرة غير قادر على العمل أو يعمل ودخل الأسرة أقل من الراتب الصافى للحد الأدنى من الأجور (نحو 850 جنيها) وألا يتم دعم أي مواطن غير جاد في البحث عن العمل وذلك بتفعيل وزارة القوى العاملة وهى من أهم الوزارات في الدول المتقدمة حيث تتولى إصدار تقارير دورية عن أوضاع العمل والعمال ونسب البطالة وتوقعات فرص العمل كما ونوعا لسنوات قادمة ويتم عن طريقها الإعلان عن كل وظائف القطاعين العام والخاص وتقوم مكاتب العمل المنتشره بالأحياء بالتوفيق بين هذه الفرص وطلبات العمل أما من يرفض العمل والمشاركة في تنمية المجتمع فقد أسقط حقه في دعم الدولة لرعايته الصحية وبذلك يصبح التأمين الصحى دافعا للعمل والقضاء على نسبة من البطالة.

4-يهدد وضع العدالة الاجتماعية والتفاوت الكبير في الأجور بين من يقومون بوظائف ذات مسئوليات ومخاطر وساعات عمل واحدة من مؤسسة لأخرى من مؤسسات الدولة وقطاع الأعمال العام يهدد السلام الاجتماعى وينشر مشاعر الحقد والكراهية بين المواطنين ولا يزيد الطين بلة إلا فساد النظام الضريبى الذي يساوى بين الفقراء والأغنياء ولا يستطيع التحصيل في غالب الحال إلا من الموظفين البسطاء وخاصة العاملين بالدولة، بينما يتحايل الكثيرون على التهرب من الواجب الضريبى لكن نص الدستور بتناسب اشتراك التأمين الصحى مع الدخل يؤسس لضريبة تصاعدية تحقق تكافلا وعدالة اجتماعية ربما تساعد على تخفيف آثار الفجوة الطبقية.

5- نظام النأمين الصحى المقترح يحتم إقامة نظام تسجيل إلكترونى لكل مواطن يرغب في الاستفادة من الخدمة وهو ما قد يساعد على تكوين قاعدة بيانات حقيقية ومنضبطة من الصعب التحايل فيها نظرا لحتمية دفع الاشتراك عن الأسرة سواء من عائلها أو من الدولة ومن المعلوم أن قاعدة بيانات الرقم القومى لا تشمل كل المصريين حتى الآن، كما أنها متهمة بوجود معلومات غير دقيقة سواء بتكرار الإصدار أو عدم رفع الوفيات إلخ وسيساعد وجود قاعدة بيانات صحيحة على وضع خطط اقتصادية أكثر إحكاما وواقعية تساعد على القيام بالإصلاح المطلوب.

6- يمثل الطب الوقائى في مصر حتى الآن نقطة ضعف كبيرة في المنظومة الصحية وما زالت نسبة التسرب من التطعيمات أعلى من المعدلات العالمية وإذا أضفنا لذلك الانخفاض الكبير لبعض الخدمات الوقائية عن المعدلات العالمية كمتابعة الحمل مثلا والفحوصات التي ترمى إلى الكشف المبكر عن الأورام وأمراض القلب والسكر وغيرها وأن معظم الدول الغربية تضع الانخراط في تلك الخدمات شرطا للحصول على الدعم والإعانات يتضح لنا أهمية ربط الحق في الحصول على خدمات التأمين الصحى باستيفاء تلك المتطلبات الوقائية وإلا زادت المساهمات لحث المواطنين على اتباع الإجراءات الوقائية.

7- على الرغم من إمكانات مصر البشرية الكبيرة إلا أن سوء مستوى الخدمات الصحية بها يحرمها من مصدر مضمون للعملات الصعبة من السياحة العلاجية التي يمكن أن تأتى من دول العالم الثالث وخاصة أفريقيا إلا أن إنشاء هيئة للجودة تعنى بوضع معايير ترفع من مستوى الخدمة يفتح الباب على مصراعيه لفرص تنمية ذلك المصدر المهم لدعم الاقتصاد.

8- تطبيق نظام تأمين صحى شامل على كل المواطنين من كل الأمراض يعنى ضرورة سد الفجوة بين الخدمات الموجودة حاليا ومستوى الجودة المستهدف سواء في الكم أو الكيف أو الانتشار الجغرافى في كل من العلاج والدواء وهو ما يعنى فرص استثمارية هائلة في إنشاء وتجهيز وإدارة مؤسسات صحية جديدة مضمونة الربح توفر ملايين فرص العمل وتساعد بالإنتاج المحلى للتجهيزات والمستهلكات والأدوية على تخفيض الواردات وتوفير المليارات من الدولارات وربما الانتقال إلى مرحلة التصدير.

من كل ذلك يتضح لنا أن منظومة التأمين الصحى المستهدفة ليست عبئا على الخزانة العامة كما قد يعتقد البعض بل إنها يمكن مع بعض الفكر الاقتصادى أن تتحول إلى أكبر داعم للاقتصاد المصرى وتساهم في خلق فرص عمل وتحث المواطنين على المشاركة في التنمية وتقليل الزيادة السكانية وتجلب الكثير من الاستثمارات والعملات الصعبة التي أصبحت البلاد في أمس الحاجة إليها.
الجريدة الرسمية