رئيس التحرير
عصام كامل

خبير المياه د. نادر نور الدين: اعتراف مصر بسد النهضة دون شروط يضعنا في ورطة

فيتو



  • إثيوبيا ترفض التحكيم الدولى لأنه سيحكم لصالحنا من الجلسة الأولى
  • مصر تخسر 15 مليار دولار سنويا بعد بناء السد الإثيوبى
  • الموقف السوداني داعم لإثيوبيا بل يبارز مصر العداء
  • فقدنا آخر ورقة مناورات نمتلكها
  • اخطأنا في التفاوض حول السد وليس حول حصتنا من مياه النيل
  • أقول للمغازى " راجع البند الثالث بالقانون الدولى"
  • اللجنة الدولية وصفت سد النهضة بالكارثة المحققة على مصر 
  • سد النهضة جزء من الحرب على مصر بتخطيط مشترك بين إسرائيل وإثيوبيا
  • السودان وقعت على اتفاقية دفاع مشترك مع إثيوبيا لحماية السد 
  • السد الإثيوبى سيتسبب في خسارة 2.5 مليون فدان من أراضينا الزراعية
  • تدويل القضية السبيل الوحيد لخروج مصر من الأزمة

أدارت الحوار: إيمان مأمون
أعدته للنشر: سمر الورداني
عدسة: ريمون وجيه


مع اقتراب الانتهاء من أعمال إقامة سد النهضة الإثيوبي، تتزايد حالة قلق الشارع المصري، حول أمنه المائي والغذائي، ومدي توافره على مدى السنوات القليلة القادمة، رغم المحاولات المستمرة لمسئولي وزارة الري لطمأنه وتهدئه المواطنين، بشأن تلك القضية التي تهدد بقاء الدولة المصرية، أو على أقل تقدير قد تزج بالبلاد في حرب إقليمية على الماء.
إستضاف صالون "فيتو" الدكتور " نادر نور الدين " أستاذ الري والأراضي بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، الذي وجه انتقادات شديدة لمسئولي وزارتى الري والخارجية المصرية، حول إدارتهم لأزمة ملف سد النهضة، كما تطرق إلى الدور الذي تلعبه إسرائيل لمحاولة السيطرة على منابع النيل، وإضعاف شوكة العرب بأكملهم، في ظل استقطاب الجانب السوداني.

*ما تقييمك لوثيقة إعلان المبادئ التي وقعت عليها مصر وإثيوبيا مؤخرا حول سد النهضة؟
أعتقد أن مصر تسرعت في التوقيع على هذه الوثيقة بشكل غير مبرر، فما الداعي لمبادرة وزارتى الخارجية والري والاعتراف بالسد دون شروط أو تحفظات على أبعاده، ارتفاعه أو سعة تخزينه، رغم أن السياسات الدولية عادة عنوانها الأخذ والعطاء، أي التنازل عن شئ مقابل شئ، لذلك كان يجب أن تضع مصر اعترافها بالسد مقابل اعتراف إثيوبيا بحصة مصر المائية والتعهد بالحفاظ عليها، بعد إنشاء السد، ولكننا فقدنا للأسف آخر ورقة مناورات نمتلكها، فأصبحنا في ورطة حقيقية.

*برأيك ما الأخطاء التي وقعت بها مصر خلال تفاوضها مع إثيوبيا حول سد النهضة؟
من الخطأ أننا نتفاوض حول السد بل كان يجب أن نتفاوض حول حصتنا المائية، فمصر معتادة أن تتسلم سنويا نحو 50 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق، فكان يجب أن يدور الاتفاق حول تلك الحصة، وسبل ضمانها.

*ما أهم البنود التي تعارضها في وثيقة المبادئ؟
منحنا إثيوبيا من خلال وثيقة المبادئ بعض الأمور التي لم تكن تحلم أن تحصل عليها يوما، مثل البند الأول الذي نص على الاعتراف بالسيادة المطلقة لإثيوبيا على جميع مواردها المائية، أي من حقها ردم ومنع خروج النهر من أرضها، وكأنه نهر إثيوبي فقط، وليس نهرا مشتركا، بسيادة مشتركة، متجاهلين بذلك القانون الدولى للمياه الصادر عام 1997 من الأمم المتحدة، والمختص بتنظيم العلاقة بين الدول الشريكة في الأنهار الدولية.
كما نص البند الخامس على أنه تتفق الدول الثلاثة على نظام الملء الأول لخزان السد، ومن حق إثيوبيا بعد ذلك تغيير هذا النظام وإخطار مصر والسودان، ورغم فداحة البند في التفريط في حق مصر، إلا أن إثيوبيا لم تكتف بذلك، حيث صرح وزير الخارجية الإثيوبي قائلا إن خطة الملء الأول للسد هي جزء من خطة إنشاء السد نفسه، وليس لها أي علاقة بالمفاوضات مع مصر والسودان، أي أنه يلغي بنود إعلان المبادئ نفسه، مستكملا تصريحاته أن إثيوبيا لن تقدم تنازلات لمصر والاتفاق معها بشأن حصة المياه، وكأننا فقدنا حقنا من المياه وأصبح منحة أو عطاء من إثيوبيا أن تترك لنا أي قدر من المياه.
كما ورد في التوقيع الثاني على البنود الإضافية لوثيقة المبادئ، بند كان لابد أن ترفضه مصر ولا تقبل التوقيع عليه، وهو الخاص بدعوة إثيوبيا للإعلاميين والوفود الشعبية المصرية لزيارة السد وكأننا نشارك في الحملة الدعائية له وإضفاء شرعية ومباركة شعبية مصرية على الأمر.

*ما تقييمك لدور كل من اللجنة الدولية المسماه بلجنة العشرة، والمكتب الاستشاري الفرنسي في أزمة السد؟
هناك فارق كبير بين دور اللجنة الدولية والمكتب الاستشاري في أزمة السد، فاللجنة المسماه بلجنة العشرة ضمت أربعة خبراء دوليين، أحدهم خبير في إنشاء السدود ألمانى الجنسية، وخبيرين في الموارد المائية، أحدهم فرنسي والأخر انجليزي الجنسية، والأخير خبير بيئي من جنوب أفريقيا، وجاء تقريرهم يفيد بأن سد النهضة بمثل كارثة محققة على دول المصب، مشيرين إلى أن السد أقيم على عجل ودون دراسة منمقة، لذلك عندما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي التفاوض مرة أخرى بشأن السد رفض الجانب الإثيوبي تشكيل أي لجان دولية مرة أخرى، وأكتفوا بالمكتب الفرنسي الاستشاري، وإقتصر عمله على النظر في الدراسات التي ستقدمها إثيوبيا لهم، ورفضت إطلاعهم على إجراءات سلامة السد أوالسلامة الإنشائية له، فضلا عن أن تقارير ذلك المكتب استشارية وليست تحكيمية أي أنها غير ملزمة لأى طرف من الأطراف، وإذا لم يحذ تقريرهم النهائي حول السد على رضاء إثيوبيا تستطيع أن تنحيه جانبا دون الرجوع إلى مصر أو السودان. 

*هل معنى ذلك أن هناك تقصيرا من قبل وزارة الري المصرية في إدارة هذا الملف ؟
مواقف وزير الري المصري الدكتور حسام مغازي غير مفهومة، بسبب دفاعه المستمر عن الجانب الإثيوبي، وتبني مواقفهم، دون النظر إلى حقوق مصر، ومثال على ذلك، المؤتمر الصحفي الذي عقد في مصر بين وزير الري المصري ونظيره الإثيوبي الذي قال أن إثيوبيا لن توقع على أي اتفاقية مياه مع مصر لأن مصر لا تأخذ حصتها من إثيوبيا فقط بل تأخذ جزء من النيل الأبيض، فإنبري وزير الري المصري ليدافع عن هذا الرأي وصدق على كلامه، وهنا أقول لوزير الري الحالي ردا على ذلك راجع البند الثالث بالقانون الدولى لمياه الأنهار الذي ينص على أن من حق دول النهر المشترك توقيع اتفاقيات تقسيم مياه فيما يخص كامل النهر أو جزء منه، وقد وقعت مصر في السابق اتفاقية عام 1902 مع إثيوبيا للحصول على المياه، كما وقعت مصر اتفاقية مستقلة أخرى عام 1929 لتقسيم مياه مع دول منابع النيل الأبيض فقط أي جزء من النهر، إذا القانون الدولى يعطينا الحق في إبرام اتفاقيات لتقسيم المياه، بينما وزير الري المصري ينكر ذلك ويرفضه ويدافع عن الموقف الإثيوبي.

*ما رأيك حول ما يطرح من مقترحات غربية بشأن تشكيل إدارة مشتركة بين مصر وإثيوبيا على السد العالي والسد الإثيوبي كحل للأزمة؟
لا فائدة من تدخل الجانب الإثيوبي في إدارة السد العالي، لأن مصر دولة مصب النهر، ولا توجد دولة تتأثر باحتجاز المياه خلف السد العالي، أما سد إثيوبيا فيؤثر على مصر والسودان، وحياة الشعب المصري مرتبطة بتدفقات المياه من أراضيهم، لذلك لابد أن يشارك الجانب المصري ويتابع إدارة السد الإثيوبي لحماية حقوق الشعب باعتبارها مسألة أمن قومي.

*وماذا عن الدور الإسرائيلى ومحاولة تأجيجة للصراع المصرى الأثيوبى حول المياه؟
إسرائيل متوغلة إلى حد بعيد، فيكفي تمخض اجتماع رئيس الوزراء الإثيوبي ونظيره الإسرائيلي، الذي عقد مؤخرا، عن بيان مشترك يفيد بتشكيل قوة عسكرية مشتركة بين الدولتين تتصدي إلى التغلغل العربي في منطقة القرن الأفريقي، وشرق القارة الأفريقية، والتحكم في كمية المياه من خلال السد الإثيوبي إحدى وسائل تلك الحرب، فهو محبسا على النيل أكثر منه سدا، لأضعاف العرب، وخاصة مصر لإيمانهم بأن إضعاف مصر هو إضعاف لكل العرب.
كما تجمع إثيوبيا وإسرائيل العديد من المصالح الاقتصادية المشتركة، فطبقا للبيانات الرسمية الصادرة عن هيئة الاستثمار الإثيوبية تمتلك إسرائيل 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية الإثيوبية، بالإضافة إلى توقيع إثيوبيا عقد لصالح شركات إسرائيلية تتولى توزيع نصف ما ينتجه السد الإثيوبي من كهرباء إلى المدن الإثيوبية، علاوة على سعي إسرائيل للحصول على حصة من المياه الإثيوبية في ظل العجز المائي الذي تعانى منه والذي يصل إلى مايقرب من 1.5 مليار متر مكعب من المياه.

*وما تقييمك للموقف السوداني؟
الموقف السوداني داعم بشكل كامل للجانب الإثيوبي، بل يصل إلى مبارزة مصر العداء، وظهر ذلك بشكل واضح في تصريح وزير الخارجية السوداني خلال تواجده في مصر وأكد فيه عدم وجود صواريخ إيرانية وتركية في السودان موجه لضرب السد العالي، كتهديد مبطن ومتعمد، وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى أن السد العالي سدا ركاميا، لن تؤثر فيه أي صواريخ، لأنه كالجبل الترابي وليس سدا أسمنتيا كسد أثيوبي.
واستكمل وزير الخارجية السوداني تصريحاته قائلا:"على المصريين التذكر أن إثيوبيا تبني سد إثيوبيا على أرض إثيوبية"، وهذا باطل لأن إثيوبيا تبني سدا على نهر دولى مشترك لنا فيه حصة وحقوق.

*ولماذا اتخذت السودان هذا الموقف ضد مصر ؟
يرجع هذا الدعم السوداني الهائل لإثيوبيا إلى تعهد الأخيرة بمنح السودان ترعة خلف السد النهضة، لتعويضهم عن انقطاع الفيضان على الأراضي السودانية، وأبرموا اتفاقية تنص على بيع الكهرباء للسودان بسعر أقل من ثمن التكلفة، وكذلك موافقة إثيوبيا على الدخول في تفاوض مع السودان حول منطقة الغضارف، المتنازع عليها بين البلدين، بما يحفظ المصالح السودانية، وبناء على تلك الإغراءات الإثيوبية وقعت السودان اتفاقية دفاع مشترك للزود عن أي هجوم ضد سد النهضة. 

*إلى أي مدي سيؤثر سد النهضة على الزراعة في مصر؟
من المتوقع أن تعانى مصر من نقص دائم في حصة مصر من المياه، بعد انتهاء فترة إمتلاء سد النهضة يتراوح ما بين 9 إلى 12 مليار متر مكعب من المياه، وتلك النسبة يمكن أن تتسبب في تبوير نحو 2.5 مليون فدان، وسيترتب على ذلك اتساع الفجوة الغذائية التي نعانى منها لترتفع النسبة من 50 %، إلى 75%، بما يكلف الدولة نحو 15 مليار دولار سنويا لتوفير السلع الأساسية والهامة، لذلك لابد من البحث عن مصدر بديل ووفير للمياه بعد ذلك، لأننا نتوقع ارتفاع عدد سكان الشعب المصري بحلول عام 2050 إلى نحو 135 مليون نسمة.

*هل اللجوء إلى التحكيم الدولى هو خيار مصر الوحيد في ظل فشل المفاوضات الدبلوماسية مع إثيوبيا؟
هناك فارق بين المحاكم الدولية والتحكيم الدولى، فالتحكيم لا يصح إلا بموافقة الطرفين، وإثيوبيا ترفض ذلك بشدة، لأنها تعلم أن التحكيم الدولى سيحكم لصالح مصر من الجلسة الأولى، كما أن إثيوبيا أصرت على تغيير تعريف النهر من نهر دولى إلى نهر عابر للحدود، ووافق المفاوض المصري على ذلك، وفي هذه الحالة القانون الدولى يعطينىا الحق في رفع دعوى قضائية مستقلة أمام المحكمة الدولية، ونطالب بإدانة السد استنادا إلى رأى الخبراء الدوليين الذين أكدوا خطورة سد النهضة على مصر، وهذا من شأنه دعم الموقف المصري في المحافل الدولية، علاوة على ضرورة اللجوء إلى الاتحاد الأفريقي للتحكيم والوساطة، ومخاطبة مجلس الأمن ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومطالبتهم بايقاف العمل في هذا السد فورا، بدعوي أنه يشعل الصراع في منطقة شرق أفريقيا، ويخل بالأمن والسلم وجلب حرب مياه للمنطقة، وبتلك الإجراءات يتم تدويل القضية بمساعدة الإعلام لتعريف المجتمع الدولى بالموقف المصري، وتفنيد المزاعم الإثيوبية.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لــ "فيتو"

الجريدة الرسمية