رئيس التحرير
عصام كامل

الرفيق قبل الطريق


قديمًا قالوا: الرفيق قبل الطريق.. والمعنى أن الإنسان خلال سعيه في الحياة لا بد له من صديق، يحفظ سره ويصون وده، يعينه ويشد من أزره ويستشيره ويتبادل معه وجهات النظر في أي قضية تعن له.. فالحياة لا تخلو من صعاب وعوائق ومشكلات، ومن الصعب على الإنسان أن يواجهها بمفرده.. ومن الملاحظ أن الله تعالى، ما كان ليترك رسوله (صلى الله عليه وسلم) ليهاجر بمفرده، فكفار قريش كانوا يتربصون به ليقتلوه.. أنجاه الله من بين أيديهم عندما تحلقوا حول بيته.. وأنجاه بعد أن وصلوا إلى غار ثور الذي اختبأ فيه وصاحبه، وكادوا أن يكتشفوا وجوده.. وأنجاه من سراقة الذي كان يلهث خلفه للإمساك به، أكثر من مرة.. ولأهميتها الكبرى، كانت البداية في الصحبة الجليلة والنبيلة، وما أجلها وأعظمها.. صحبة الصديق للحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم).. يحكى عنها ربنا تبارك وتعالى، فيقول: "إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها" (التوبة: ٤٠)..


إن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الآخرين، فهو في حاجة إليهم كما أنهم في حاجة إليه... وقد قيل: "جزى الله الشدائد كل خير، فبها عرفت عدوى من صديقي"، أي أن الصداقة الحقيقية لا تظهر إلا في أوقات الشدة، وعندما يتعرض الإنسان لموقف صعب؛ كفشل في مشروع، أو خسارة في تجارة، أو مرض عضال، أو صدام مع أقوياء، فها هنا لا يدخر الصديق وسعا أو جهدا في أن يضحى بوقته أو ماله، أو حتى بنفسه من أجل إنقاذ صديقه.. أما الصداقة الزائفة- وما أكثرها-فتختفى عند أول منعطف.. وإذا كانت الصداقة الحقيقية تكلف أصحابها الكثير، فأصحاب الصداقة الزائفة ليسوا على استعداد لأن يتكلفوا شيئا.. الصديق الحقيقي يحفظ سرك ولا يهتك سترك، مهما كانت الظروف.. أما الصديق الزائف فقد تكون صداقته للتعرف على خصوصياتك وأسرارك ليذيعها على الملأ..

غالبا يكون هناك أصدقاء لكل مرحلة من العمر، وقد يستمر أصدقاء الطفولة والصبا إلى مراحل متقدمة من العمر.. لكن هذه الحالة الأخيرة قليلة، خاصة أن ظروف الحياة، من عمل وزواج وأعباء، كثيرا ما تباعد بين الإخلاء.. جاء في الحديث: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".. وهو قول سديد.. لذا جاء في الحديث: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".. وفي هذا يقول المتنبى: "وشبه الشيء منجذب إليه.. وأشبهنا بدنيانا الطغام".. والخليل والخل هو الصديق الوفي، وهو يمثل عملة نادرة في هذا الزمان.. وقد قيل: "إن زاد مالى فكل الناس خلانى.. وإن قل مالى فلا خل يصاحبنى"..

والحقيقة أن هؤلا ليسوا خلانا، وإنما هم أصحاب مصلحة، ليس إلا.. وفي أمثالنا الشهيرة: المستحيلات ثلاثة؛ الغول، والعنقاء، والخل الوفي..

وقد أثر عن بعض الصوفية قولهم: "الاستئناس بالناس، علامة الإفلاس"، والمعنى أن الإنسان يجب أن يعيش مع الله، وإن تيسر له ذلك، فهو في أنس مع واهب الحياة والوجود كله، ولحظتها لا يشعر الإنسان بغربة ولا وحشة.. أما إذا أحس بأن الأنس مع الله لا يشبعه ولا يكفيه، وأنه في حاجة إلى من يؤنس وحدته من البشر، فهذا يدل على حالة الإفلاس التي يعيشها..

يقول الإمام علي (رضى الله عنه): "لا تستوحشوا الطريق لقلة سالكيه".. إن كثيرا من الناس ليست لديهم شجاعة اتخاذ الموقف الذي يتفق مع الحق أو الصواب، لمجرد أنهم سوف يكونون بمفردهم.. مع أن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يوصينا، فيقول: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا عليكم أن تجتنبوا إساءتهم"، أو كما قال.. وفي أحد كتابات العقاد، يصف هؤلاء الذين لديهم قدرة على البقاء بمفردهم فترة طويلة بأنهم أصحاب قوة نفسية عالية..
الجريدة الرسمية