رئيس التحرير
عصام كامل

أدِّ الأمانة يا شيخ الأزهر


نعم أدِّ الأمانة يا شيخ الأزهر ولا تخن الأمة، فالله من فوقكم محيط، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أدِّ الأمانة التي ائتمنك عليها رئيس الدولة، ولا تشغل بالك بقيل وقال، لا تفرح بهذا الذي ينافقك، فهو أول من سينهال عليك بالمعايب إذا وقعت، لا تخشى إلا الله يا شيخ، هذه نصيحة والدين النصيحة كما قال سيدي وسيدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبب النصيحة أنك منشغل جدا بمن يدافع عنك، ويبدو أنك نسيت في خضم الاهتمام بنفسك وبموقعك واجبك الوظيفي ثم واجبك الديني، اللهم إلا إذا كنت تعتقد أن ما عليه داعش وأمثالها هو الدين الصحيح، حينئذ لم أستمر في النقاش معك فما جدوى النقاش مع داعشي يتخفى في ثياب الأئمة؟!


وأول ما يقفز إلى ذهني بغير ترتيب في شأن الواجب الديني والوظيفي الملقى على كاهلك هو: أين مشروع الأزهر (المؤسسة الدينية) لتجديد الخطاب الديني، وما الخطوات التي قام بها في هذا المجال؟ وهل لنا أن نسأل الشيخ ونحن نخفض له جناح الحب: ما جهود المؤسسة الدينية العريقة التي بذلتها في تجديد مناهج التعليم الأزهري؟

عفوًا سيدي كبير المؤسسة الدينية!! عفوا أقصد المؤسسة العلمية.. نسيت أن أسألك قبل هذا وما أنسانيه إلا الشيطان: هل فضيلتك تؤمن بأهمية تطوير التعليم الأزهري؟ أم أنكم ترون أن هذا ما ألفينا عليه شيوخنا الأوائل، وهي ذاتها المناهج التي أخرجت الأفذاذ محمد عبده وطه حسين وسعد زغلول وشلتوت والخفيف؟ وإذا كنت فضيلتك لا تؤمن بالتجديد والتطوير فقل هذا لرئيس الدولة كى يكون على بيّنة من أمره، ولك بعد ذلك أن تذهب إلى بيتك ومحرابك في سيارة أجرة كما قال من قبل في مقالة سابقة مستشارك الشيخ الموقر مهنا الذي لا أعلم وأيم الله كيف يكون مستشارا لك وهو لا يحمل في جعبته ولو مقدار خردلة من العلم.

أما إذا كنت تؤمن بالتطوير فرجاء الإجابة على السؤال الأول، فشعب مثخن بجراح التطرف والإرهاب من حقه أن يطمئن إلى أن مؤسسته الدينية ـ عفوا العلمية ـ تمضى قُدُمًا وبلا هوادة في مواجهة مشروع التطرف ورجاله، ولكن إن أذنت هل لنا أن نعرف ما الذي دعاك أيام مرسي والإخوان إلى استقبال دهاقنة التطرف في مكتبك؟ اللهم إلا إذا كنت وقتها تسعى إلى إرضاء الحاكم الإخواني وتجاري المتسلفين لتحظى بمكانة لديهم؟ ويالخيبة الأمل فيك إن كان الأمر كذلك ولكنني لا أظنه كذلك، لذلك أرجو أن تفصح عن خلفيات تلك الزيارات ومن الذي نظمها آنذاك وسببها وشومانها وإخوانها.

ولأنني أقدرك وأحسن الظن بك سأقول للشعب المكتوى بنيران التطرف إنك كنت تناقشهم ليعرفوا مقامهم بين العلماء فيتعلموا ويهجروا أفكارهم التي أقامت للتطرف كهفًا في بلادنا.

ولك أن تعلم يا رأس المؤسسة الدينية ـ أقصد العلمية ـ أننى سعدت وقفزت فرحًا حتى لامست النجوم عندما قرأت من أحد مستشاريك إنكم تنظرون لمناهج التعليم بالأزهر نظرة إكبار لأنها أخرجت عبقرية طه حسين للوجود، هكذا قال مستشارٌ لك! ولكن أظن أن كلام مستشارك يحتاج قدرًا من الأناة والتريث، فطه حسين كان أول من اعترض بقسوة على مناهج التعليم الأزهري، وأظنه التحق بالجامعة الأهلية «لينفد بجلده» من الأزهر ومناهجه، وأغلب الظن أنه قال هذا بعظمة لسانه إن لم تخني الذاكرة عندما قام بإملاء كتابه الرائع «الأيام» كما قاله في العديد من أبحاثه، وأغلب الظن أيضًا أنه كان قاسيًا في نقده للأزهر، وعلى الأرجح كان الأزهر مؤسستنا الدينية هو من قاد حربًا ضد طه حسين لكتابه «في الشعر الجاهلي»، وكان الذي قدم البلاغ ضد الكتاب وصاحبه شيخًا أزهريًا تعلم العلم في أروقة الأزهر! ومن المصادفات الغريبة أن الأخ محمد عمارة القيادى الإخوانى وعضو مجلس الشئون الإسلامية والذي ائتمنته على رئاسة تحرير مجلة الأزهر ردحا من الزمن ثم قمت قداستك بتثبيت مكانه في مجمع البحوث الإسلامية ليشارك بإخوانيته في صياغة عقلية الأمة وطريقة فهمها للدين!! هو الذي كتب وكتب ليهاجم ويكفر طه حسين حسين.

يبدو أنني ابتعدت عن الموضوع كثيرًا، ولكن ماذا أفعل والأزهر يفتخر بالإمام محمد عبده ومدرسته التي أصبحت أثرًا بعد عين، حيث تغلبت مدرسة النقل وانطمرت مدرسة العقل، إذن فلنعد للموضوع سريعًا لكي نستكمل الأسئلة، فلا عمارة يعنينى ولا كل مستشاري الشيخ يحركون ساكنا من جسدي، فأصغر تلميذ في مدرسة ابتدائية هو باليقين أعلم من الجوقة التي تحيط بالشيخ، وحتى لا تتوه منى الأسئلة أجملها في عبارة واحدة هي: يا شيخ الأزهر الجليل.. ما رأى المؤسسة الدينية في قضية «الخلافة الإسلامية» فأنا رجل عالة على العلم خالى الوفاض مما قاله الأقدمون، ومبلغ علمى في هذا الشأن ما كتبه الشيخ علي عبد الرازق حين أنكر فرضية الخلافة فجرده الأزهر من رتبته الدينية! ولا أخفى عليك يا شيخ الأزهر الجليل أننى طرحت عليك سؤالي هذا لا لكى أستخرج قضايا قديمة عفا عليها الزمن أثير بها فتنة، ولكن لأننى نظرت حولى فوجدت الإخوان ومن خرج من دبرهم من جماعات التطرف وجدتهم يقيمون مشروعهم على مقولة إن الخلافة فريضة حتمية، ثم نظرت حولى فوجدت جماعة إرهابية اسمها «داعش» رفض الأزهر تكفيرها تقف على حدود بلدى تعلن قيام دولة الخلافة.

لذلك أنا أريدك أن تعلن موقف الأزهر من الخلافة، هل هي فريضة دينية؟ أم كانت طريقة دنيوية صنعها الأقدمون ولنا أن نصنع لدنيانا مثلما صنعوا لدنياهم؟ ومن باب حسم الأمور أريد أن أعرف رأى الأزهر في قضية الجزية، وسبب هذا أن الإخوان و«داعش» وحزب التحرير والتيار السلفى الوهابى وغيرهم يرون أن الجزية دين يجب أن تستمر ليوم الدين؛ ومع موضوع الجزية نريد أن نعرف رأى الأزهر في قضية الولاية، هل تجوز للمرأة والقبطي أم لا تجوز؟ وهل يجوز أن تتولى المرأة القضاء؟ وما الرأي في تولى المسيحي القضاء؟ أريد يا فضيلة الشيخ الجليل أن نعرف رأي الأزهر في تلك الأمور لنرد بها على دعاة الفتنة، ولتستقر القلوب القلقة وتهدأ عندما تعرف الرأي العلمي الصحيح بأسانيده.

دقيقة من فضلك، لم أُنهِ كلامي بعد فأنا في أشد الشوق لمعرفة رأي الأزهر في «الجهاد» وقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وسبب شوقي هو أن مشروع الإسلام السياسي قام على هذا الأمر حتى أنهم جعلوا شعارهم ليس سيفًا واحدًا، ولكن سيفان بينهما مصحف وتحتهما «وأعدوا» وأظنهم يقاتلوننا تطبيقًا لهذا الفهم.

الأمة كلها يا شيخ الأزهر يا شيخ تلك المؤسسة العلمية العتيقة، تريد بيانا للناس منكم، بيانا وافيا كافيا شافيا يتضمن ردا على تلك الأسئلة، ولتعلم الأمة أنك إن لم تفعل فإنك تراوغ لحاجة في نفسك ولتعلم أنت أنك لم تؤد الأمانة وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الجريدة الرسمية