رئيس التحرير
عصام كامل

احمدوا ربنا أنكم عايشين


1
"وإذا سألوه عن العدل قال لهم: احمدوا ربنا أنكم عايشين".. هكذا بكل بساطة وواقعية واستهزاء وصلف وتكبر وسطوة وغرور، رد أحدهم على عموم الشعب المصري الكئيب الذي تهور يوما وخرج في ثورة ليطالب بحقه أو ما يظنه حقه في العدالة والعيش بكرامة وحرية، فإذا به يخضع لأكبر عملية عقاب مستمرة لأجل غير مسمى!


ليس فقط هذا المسئول بعينه بل كل من ظنوا أن المصريين عبيد إحسانهم وملك يمينهم ويسارهم وخدم أبنائهم وزوجاتهم وتابعيهم من شركاء السلطة والثروة أو كليهما.. ما يضرش، احمدوا ربنا إنكم ما زلتم عايشين رغم القمح الفاسد والسمك النافق أو في رواية أخرى رسمية (المسطول) ورغم الكباري معدومة الخوازيق والقطارات الهائمة في ملكوت سادتنا بدون سائق أو رابط أو بعض من حياء، احمدوا ربنا إنكم عايشين يا ولاد الـ..!

لم يقلها السيد المسئول من فراغ، بل من شعور فوقي بالهيمنة والسيطرة والإيمان بقدرة معاليه وجبروته وسطوته التي لم تهوي بها أو تهزها كل دماء شهداء يناير وما بعدها.. احمدوا ربنا أنكم ما زلتم تطفحون رغيفا من الخبز طلعة كل صباح ومع ذلك ما زلتم تكابرون.. ألا يكفيكم رغيف العيش! ألم تخرجوا في مؤامرة علنية مطالبين بالعيش.. حسنا لقد حصلتم على الكثير!

2
"وإذا سألوك عن العدل فقل مات عمر"..
هكذا ترسخ ثقافة الكلمة المجتزأة والاستخفاف الفكري والعبثية بكل قيمة والمنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي.. العدل ليس عمر مع كل التقدير والحب والتبجيل للفاروق، العدل اسم من أسماء الله الحسنى وميزان الكون وعماده، العدل يجريه الله على يد المسلمين وغير المسلمين، العدل أجراه الله على يد لولا دي سيلفا وعلى يد مشرعي العالم المتحضر الراقي شرقا وغربا، العدل أسمى من أن يرتبط باسم كائن مهما كان قدره، العدل مؤسسات حاكمة ودساتير مشرعة وقوانين مساوية بين خلق الله بدون نظر للجنس أو اللون أو حتى الدين.. العدل لا يعرفه هؤلاء ممن يمنون على المصريين بالبقاء على قيد الحياة وسط ظلم فادح وقهر منظم وشبع بالقطارة!

3
"وإذا سألوك عن العدل فقل سننتزعه يوما"..
هكذا يجب أن يدرك من يتحكمون في هذا الوطن ولا يبالون بما هو فيه أو بما هو مقبل عليه من كوارث أشد ضراوة من جفاف النيل بسبب سد النهضة وأشد فتكا من الإنفلونزا المستوطنة عندنا دون كل بلاد الله وأشد قسوة من فيروس سي وسرطان الأطفال وتلوث الجو وكل الموبقات التي نحتل بها المركز الأول عالميا!

كل تلك المصائب لها علاج، ولكن الظلم ليس له علاج والشعور بالقهر ليس له دواء إلا العدل الذي تدفنه ثقافة التفاهة والسطحية الموجهة مع جثمان عمر بن الخطاب، ليس لمصر دواء غير العدل ولن يصلح معها قانون للقيمة المضافة أو(الغلاء برخصة) والذي سيعرضه رئيس الوزراء على السيد قراره في نهاية هذا الشهر ليقره ويبصم عليه ويقدم فروض الطاعة للحكومة التي قررت إعادة قانون الخدمة المدنية له مرة أخرى!

لن يصلح ذلك مع الشعب، الذي ظنت الحكومة أنها قادرة عليه ما دام يناير قد ولى! لن تفلح الحكومة في علاج فشلها في الموزانة بإفقار الفقراء أكثر، نحن نخشى على هذا الوطن الذي لا يصلح معه إلا العدل وليست قوانين سحق الفقراء وتدليل الأثرياء، نحن نخشى على وطن أقر رئيسه بأنه أشلاء.. نعم صدق الرجل هو أشلاء، ولكن هل يكون علاج الأشلاء بسحقها أكثر وأكثر، أم محاولة تضميدها وتجميعها وعلاج ما تيسر منها حتى نعيش بحق ونحمد الله أننا عايشين، علاج الأشلاء لا يكون برفع الدعم عن المياه الملوثة التي يشربها الفقراء، ولكنهم راضون بها لأنهم سيموتون عطشا إن فقدوها، علاج الأشلاء لا يكون بمساواة الفقراء في الهم فقط وتجنيب ذلك للمحظوظين وظيفيا وماديا في مصر التي تميز بين أبنائها، علاج الأشلاء لا يكون بالتخلص من الفقراء وهم الأغلبيه الساحقة في وطن إن هوى سيهوي بالجميع.. اللهم جنبنا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منا خاصةً!

fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية