رئيس التحرير
عصام كامل

وصار جزءًا من المشكلة وليس الحل!


غابت القضايا المصيرية من سلم أو قائمة أولوياتنا الجماعية.. وتراجعت قضايا مثل إصلاح التعليم ومحو الأمية بدرجاتها المختلفة والزيادة الهائلة في السكان بلا موارد تكفي احتياجات هذه الزيادة.. وتخلف البحث العلمي.. كل هذا لا شيء إلا لتراجع الأخلاق وفساد الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. وبدلًا من أن تنهض النخبة وأجهزة المناعة في المجتمع بدورها صارت عبئًا عليه وعلة وداءً يبحث عن علاج بلا جدوى، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه فقد صار الإعلام والتعليم والأسرة والمدرسة والجامعة جزءًا من المشكلة وليس الحل.. وغابت القدوة وانعدمت القدرة على صناعة العقول النيرة والضمائر السليمة والذمم العامرة بالاستقامة وحسن الخلق.


ولعل واقعة البلالين وبطلها شادي ومالك التي خرجت علينا عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي صارت أداة تمزيق وتخريب وتوسيع للهوة والشقاق الاجتماعي نتيجة سوء استخدامنا لها.. هذه الواقعة مع وقائع أخرى مشابهة صنعها سوء الأخلاق ونفخ فيها الإعلام والميديا الحديثة حتى دخلت كل بيت لدليل واضح على سوء ما آلت إليه أحوالنا وانحدارنا الخلقي وهي واقعة أساءت لمجتمعنا كله، وكشفت عن مدى حاجتنا الشديدة لإصلاح منظومة الأخلاق وإحداث ثورة حقيقية في سلوكياتنا وتصرفاتنا باتت ضرورة لا يقل احتياجنا إليها عن حاجتنا للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

تعاليم الأديان كلها وجوهرها يخاطب الأخلاق، حتى أن تطبيق الحدود ذاتها يحتاج ضميرًا إيمانيًا يقر أولًا بالذنب ويبادر بالتوبة ويطلب الغفران.. كما أن فلسفات البشر وخلاصة حكمتهم تتخذ الأخلاق ركيزة أساسية في مناهجها ومفاهيمها.. فمن غير الأخلاق تصبح مجتمعات البشر غابات حيوانية تحكمها الغرائز وتتحكم فيها القوة الباطشة بلا عقل.. وما أظن تخلفنا وتراجعنا عن الدور الحضاري إلا نتيجة لتخلينا عن الأخلاق التي ميزت الشرق المتدين بثقافته وتراثه الحضاري ومدنيته الضاربة في القدم، وتخلينا عن العلم الذي نقل أممًا غارقة في التخلف إلى قيادة العالم والتحكم في مصائره.

ولست أشك أن ثورة يناير ما ضلت طريقها وانحرفت عن غايتها إلا لفقدانها ظهيرًا أخلاقيًا يعصمها من انتهازية بعض التيارات، واستمساكها بمطالب اجتماعية وسياسية لم تملك الإجابة عن كيفية تحقيقها في ظل انفلات ضرب كل شيء في حياتنا وأهمها القيم الأخلاقية.

لا شك أن الضمير الأخلاقي لأي مجتمع يحول بينه وبين الفاسدين من أبنائه، ويعصمه من اللصوص وسرقاتهم، والطغاة واستبدادهم، والمتاجرين بالدين وتضليلهم وسلبهم الإرادة، وتضليلهم الوعي وخداعهم البسطاء.
alyhashem51253@gmail.com
الجريدة الرسمية