رئيس التحرير
عصام كامل

الديمقراطية على الطريقة الفرنسية


آخر استطلاع للرأي قال إن 84 % من الفرنسيين يرون تقيد الحريات واجب لحماية الدولة، بينما تجاوزت نسبة الميالون لإجراءات التي دعا إليها اليمين المتشدد لحفظ الأمن في البلاد 75 %.


الأسبوع الماضي، قال مجموعة من النواب الفرنسيين إنهم في الطريق للاتفاق على حزمة قوانين تتيح للسلطات مراقبة مكالمات الهواتف، وتتبع حسابات البريد الإلكتروني، مواقع التواصل الاجتماعي، واعتراض الرسائل الصادرة من وإلى التليفونات المحمولة.

متوقع أن تعرض حزمة القوانين الجديدة على البرلمان الفرنسي خلا شهور، بينما أوربا كلها تتطلع لحزم مماثلة، وإجراءات شبيهة.

في ألمانيا طالب نواب في البوندستاج بإعادة ضبط تدخل الدولة لمنع الجرائم الإرهابية. وفي هولندا، ولوكسمبورج، وجهة النظر السائدة، الفترة الأخيرة، أن كفة الميزان لا بد أن ترُجح ضد الإرهاب، حتى ولو بإجراءات استثنائية.

في الاستطلاع الذي نشرته لوفيجاروا الفرنسية قبل أيام، قال ٨٤% من الفرنسيين إنهم على استعداد لتقييد حرياتهم الشخصية لضمان أمنهم. الرأي العام في فرنسا قلق، لذلك فالنظرة إلى مفهوم الحرية الشخصية عندما تتعارض مع بقاء الدولة، فإن كفة "الدولة" لدى أكثر الشعوب تقدما وحرصا على الحريات هي التي تُرجح.

ربما لذلك، لم يجد الرئيس فرانسوا هولاند أية معارضة تذكر أمام رغبة إدارته تمديد حالة الطوارئ في البلاد مدة ٣ أشهر أخرى، ولما طالب وزير الداخلية الفرنسي ببحث تعديل الدستور، لمزيد من أحكام الرقابة على وسائل الاتصال، لم يجد من يقف ويقول له في الميادين العامة: الحرية أولا.. ثم حق الدولة في حماية نفسها.

الفرنسيون ديمقراطيون، لكنهم لا مراهقون، ولا عشوائيون. لذلك، لا تجد على مواقع التواصل الاجتماعي طعنا في سياسات هولاند الجديدة، ولا تسمع عن نشطاء وثوار يرون أن أوربا بإجراءاتها الجديدة ضد الإرهاب تعود إلى عصور الديكتاتورية.

لو في مصر، كان ألف قتيل، وشهيد ثورة خرج وقالك: عودة لعصر مبارك، وردة لما قبل 25 يناير. كان خرج مليون ناشط، وطالب بإعدام النظام، الذي يسعى إلى فرض قيود على الحريات، والحجر على الشعب.

الفارق بين دعوات النشطاء تبعنا وبين الديمقراطية الحقيقية حول العالم كبير. شعرة رفيعة تفصل بين النشاط الثوري، وبين الحريات الحقيقية وبناء الدول. الفارق بيننا، وبين الدول الديمقراطية حول العالم، أنهم يفكرون، ويتداولون، ويتناقشون، لذلك لا تجد بينهم كائنات حية من فصيلة علاء الأسوانى، أو عمرو وأكد، أو شادى مراسل أبلة فاهيتا.

الشهر الماضى، نشرت الإندبندنت البريطانية تقريرا أشار إلى أن الفرنسيين على استعداد للذهاب إلى أبعد مدى لحماية البلاد. ٨٧% من عينة عشوائية في الشارع الفرنسى قالوا إنهم يثقون في سبل مقاومة الإرهاب التي تنتهجها الشرطة وأحهزة الاستخبارات في بلادهم. 74 % قالوا إنهم يرون أن يلجأ الرئيس الفرنسى إلى إقرار قانون يوقف كل من تراه السلطات الأمنية مُهددا محتملا لأمن المجتمع.

الأوربيون لا يرون المعركة مع الإرهاب سهلة. لذلك،لا يرون أن التغنج على مواقع التواصل الاجتماعى، أو العربدة في برامج التليفزيون، وإثارة البلبة في الصحافة حرية، لو تم استغلالها ضد الدولة، ومواطنيها، ومؤسساتها.

الحريات في أكثر الدول ديمقراطية لها سقف. فارق شاسع بين النشاط الثورى وبين المعارضة في أوربا، وبين تعبيرنا عن الرأي بطريقة الواقي الذكري. في الدول الديمقراطية، يفرقون بين الرأي، وقلة الأدب.. والخنوثة.

بعد اعتداءات فرنسا قبل شهرين، سال مذيع من قناة عربية زعيم المعارضة هناك تعليقه على سياسات إدارة الرئيس هولاند ضد الإرهاب. المذيع كان عربيا، واضح أنه حاول الاصطياد في الماء العكر. لكن زعيم المعارضة الفرنسية رد: في تلك الظروف التي تواجهها فرنسا،لا فرق بين معارض وحكومى.. وأضاف: "كلنا فرنسا الآن".

لو ظهر في فرنسا شادى أو مالك عدلي، كان الفرنسيون لفوهم في فويل، وأمسكوهم بأطراف أصابعهم، ووضعوهم بعناية في صناديق توضع جنب الرصيف.
الديمقراطية وعى.. لا هي شعارات، ولا قلة أدب بالضرورة.
Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com
الجريدة الرسمية