رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد مالك ضحية «الفرم الإعلامي»


"أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي عن انضمام الفنان المصري الشاب أحمد مالك صاحب واقعة "الواقى الذكري"، إلى عناصره بعد استتابته وإبداء ندمه على مشاركته في الأعمال الفنية المحرمة وتعهده بجز رءوس عشرة مرتدين للتقرب إلى الله بأرواحهم الشريرة".


الخبر السابق مرت كلماته في مخيلتى، أثناء متابعتى للحملة الشرسة التي تتصاعد يوما بعد يوم ضد الممثل الشاب أحمد مالك وصديقه شادي حسين مراسل برنامج "أبلة فاهيتا"، عقب قيامهما بتقديم "واقى ذكري" لأفراد الشرطة يوم 25 يناير.

وقبل أن أُتّهم بأننى من مريدي إهانة رجال الأمن أو غيرهم من عموم الشعب بهذه الطريقة، أؤكد رفضى للواقعة وعدم تقبلى لها ليس حبا في الشرطة بقدر ما هو حبا لإعلاء القيم الأخلاقية في مجتمع تفجرت أخلاقه الفاسدة وطفى على سطحه شوائب النفوس.. لكن قبل رفضى لسلوك الشابين وقبل انضمامى لـ "شلة الفرم الإعلامي".. يجب علينا جميعا الاعتراف بأن "مالك وشادي" ضحية لعملية اختطاف ثورة مع سبق الإصرار والترصد مثل الكثير من أبناء جيلهما.

جيل داعبت ثورة يناير أحلامه، خرج في ميادين القاهرة هائما على وجه وسط سحابة الغاز المسيل للدموع، وأصوات طلقات القناصة التي تحصد الأرواح، حالما بوطن خالى من الشوائب.. ومجتمع ديمقراطى يشاهدونه في أفلام السينما العالمية، حملوا أكفانهم وذهبوا بها إلى ميدان التحرير للحصول على العفو من حكم رئيس تعفن فوق كرسي الحكم لثلاثة عقود -حسنى مبارك-، ووريث من رائحته يسعى لاستكمال ثلاثينة أخرى لن يدركها عمر أبيه.

على مدى 5 أعوام ظل الحلم يراود هذا الجيل، الذي فجرت دماؤه "شلال حكم" لتيارات سياسية من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار، تيارات جلسات على طاولة المفاوضات مع الكبار باعت الغالى والثمين بهدف الوصول إلى المنصب الرفيع والحصول على مقعد في بلاط السلطان الجديد.

جيل فقد أحلام يناير، وتمسك بتلابيب 30 يونيو، على أمل العودة إلى المسار الصحيح، فوجئ في نهاية المطاف بانسداد الأفق وعدم السماح له بمجرد الكلام.. جيل أصبح مرعوبا من كل شىء، وتحول حلمه إلى كابوس.

نصبت البنادق في وجوههم، وأصبحت ثورتهم عارا يطاردهم، تتهمهم أبواق إعلامية اعتادت النفاق بالمسئولية عن الفوضى وصناعة المؤامرت.. باتوا مثل الجنود الذين قاتلوا لأجل الملك وتركهم بعد الانتصار في المعركة ودخول القصر حفاة وعراة بميدان القتل، وأطلق عليهم أسود الحراسة تنهش في لحومهم بعد انتهاء دورهم في المعركة.

رفع شعار "ممنوع الكلام" في ميدانهم، باتوا لا يجرؤون على دخول بيت أحلامهم الخاص الذي شيدوه في 18 يوما دون إذن.. "مالك وشادي" ضمن المطاريد، دفعهم تفكيرهم الصبيانى للتعبير عن غضبهم بطريقة أوقعتهم فريسة سهلة لكرابيج لا تعرف الرحمة، تجلد من يفكر في الاقتراب لمناطق نفوذهم الذي اكتسبوه، بعدما ارتدوا قناع ثورتهم لشهور معدودة حتى حصلوا على مايريدون وكشفوا عن وجههم –المبارك- بمجرد أن استتبت الأوضاع.

سب "مالك" بأمه وأبيه، وتوعد "شادي" بالذبح والحبس، لم يسمع أحد منهما، لم يسع عاقل للجلوس معهما والاستماع إليهما لشرح أسباب فعلتهما.. نعم أخطأ الشابان لكن حاسبوهما بروح القانون، ولا تصلبوهما وتتركوا الطير يأكل من رأسهما.. لا تدفعوا فنانا في مقتبل العمر للهروب إلى سوريا على حلم العودة للانتقام ممن يتوعده ليل نهار مدعوما بجيش "الخلافة"، لا تدفعوا شابا ساخرا للبحث عن فرص عمل بتنظيم القاعدة على أمل جز رأس من سب أمه على شاشات الفضائيات، لا تجلعوا منهما "محمد أموازي" جديد، اضطهدته أجهزة الأمن البريطانية حتى حولته إلى أشهر ذباح في تنظيم "داعش" وباتت رؤية الدم ينفجر من عروق ضحاياه مبتغاه.

نعم نجحتم في الانتصار على جيل وسرقتم أحلامه، حصلتم على كل شىء، ثورتهم فتحت لكم الطريق إلى المناصب وعالم الشهرة وشاشات الفضائيات، نجحتم في فصل حاكم عن شعبه وتسعون لخلق مبارك جديد، سوف تنقلبون عليه أيضا لو اهتزت مكانته أو تصدعت أركان حكمه.. اغرفوا من نهر السلطة والثروة.. واتركوا لنا كل أحمد وكل شادي، قبل أن ينظموا رحلة هروب جماعى من ناركم إلى جنة "داعش" وإخوتها.
الجريدة الرسمية