رئيس التحرير
عصام كامل

العلاج «حق».. لـ«الأغنياء» فقط!


انتهيتُ لتوي من العمل.. الساعة كانت تقترب من الثامنة مساءً.. رن جرس الهاتف.. ليس من عادتي الرد على أرقام غير التي أحتفظ بها على هاتفي.. عاود الرقم عناده مرة ومرات.. بحركة لا إرادية ضغطتُ على زر الإجابة: آلو.. فأجابني الطرف الآخر: أخوك عمل حادثة، وهو الآن في مستشفى القصر بشبين الكوم.


المسافة بين القاهرة -حيث مقر عملي- وعاصمة المنوفية «82 كيلومترًا»، تقطعها السيارة الأجرة في ساعة واحدة.. لكن، ولأن الطريق لم يكن «سالكًا»، مثل الحكومة، فقد قطعت المسافة في أربع ساعات ونصف الساعة، إلى أن وصلت المستشفى المقصود، حيث يرقد أخي.

فاصل ونعود..
«لكل مواطن الحق في الصحة، وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل». هذا هو جزء من نص المادة «18» من دستور 2014.. لكن مواد الدستور «حمادة» والواقع «سوسن» تاني خالص.

عدنا
ما أن وقفتُ أمام باب المستشفى، حتى فوجئتُ باستقبال حار من «القطط»، وأكوام «القمامة»، والروائح «الكريهة»، والموظفين الذين يطالبون أهالي المرضى بما يجودون به؛ ليتمكنوا من دخول المستشفى؛ للاطمئنان على ذويهم.
حاولتُ الدخول، منعني موظف الأمن.. اعترضتُ.. صرختُ في وجهه.. لم يبالِ بصراخي.. هددته برفع الأمر إلى أعلى المستويات، بعد أن أبرزتُ له هويتي.. سمح لي بالدخول على مضض.

شقيقي ما زال في الاستقبال، مع غيره من المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة.. «القاذورات» تحيط به من كل جانب.. جراحه مستمرة في النزيف.. ألمه يتزايد.. فالحادثة التي تعرض لها لم تكن بسيطة.. تعالى صراخي في وجه الممرضات.. استحضرتُ قاموس «الشتائم».. أسمعتهن ما لم يسمعنه من قبل.. حتى انصرفن وعادت إحداهن وبصحبتها أحد الأطباء، الذي أخبرني بأن أخي يحتاج إلى تدخل جراحي عاجل.. وسألني إن كان بمقدورني الاتصال بأحد المسئولين؛ لاستدعاء الأطباء لعلاج أخي على وجه السرعة.. وقد كان...

فاصل ثانٍ
محكمة القضاء الإداري، كانت قد أصدرت « 12 حكمًا لصالح المرضى الفقراء».. وأكدت الأحكام حق الفقراء خاصة الأطفال في العلاج المجاني، مضيفة أن «العلاج المجانى ليس منحة من الحكومة بموجب سلطتها التقديرية، وإنما هو حق مستمد مباشرة من الدستور والقانون وهو ليس تفضلا من الحكومة عليهم ولا يجوز لها الإحجام تنصلا منها إليهم».

كم من الأحكام التي صدرت لصالح الفقراء.. كم من المواد القانونية والدستورية انحازت لمحدودي الدخل، ومعدومي الدخل، مهدودي الدخل.. كم من التشريعات التي تتشدق وتتغنى بحقوق أولياء الله البسطاء.. ولكن عند التطبيق على أرض الواقع لا يمكن أن يتساوى الفقير مع «كلب الباشا»..!!

عودة من جديد
قبل حادثة أخي بأيام، كانت شقيقتي قد خضعت لإجراء عملية جراحية في «المركز الطبي للبترول» بمدينة نصر.. حاجة كده «فايف ستار».. نظافة «آخر تسع حاجات».. نظام أوروبي.. أطباء «أساتذة» بمعنى الكلمة.. طاقم تمريض يستحق وصف «ملائكة الرحمة».. خدمات على أعلى مستوى.. رعاية فائقة.. لا تجد عاملًا أو عاملة نظافة «يتسولون» من أهالي المريض، ويطاردونهم للحصول على«حلاوة» دخوله العملية، وخروجه منها سالمًا، أو يقايضونه؛ لتغيير«الملايات» أو «تنظيف الحجرة»..

ولِمَ لا.. فالمريض في «قطاع البترول» من طينة أخرى غير طينة بقية المرضى المطحونين المغلوبين على أمرهم.. الذين ينتظرون «دورهم» بالأسابيع، وأحيانًا بالأشهر؛ في طرقات المستشفيات الحكومية؛ ليجدوا سريرًا في حجرة قذرة، أو ينتظرون طبيب «امتياز»؛ ليتكرم بتوقيع الكشف عليهم.. لماذا؟ لأن المريض من عينة «أبو بلاش»!

فاصل ثالث
في المستشفى الحكومي شاهدتُ مآسي عديدة للمرضى.. كل مريض وراءه مأساة تعجز هذه المساحة عن استيعابها..

فقرة إعلانية
وافق أعضاء مجلس النواب على جميع القوانين الخاصة بـ«الصحة»، والتي صدرت في غيبة البرلمان، وهي: «قانون التأمين الصحى على الفلاحين، وقانون وإنشاء المجلس الأعلى للرعاية الصحية، وقانون الهيئة المصرية للرقابة على صناعة وتجارة الدواء والغذاء والمستلزمات، وقانون ضوابط الممارسة الطبية والمسئولية المدنية الطبية، ومراجعة قوانين الكادر، وبدء المشروع القومى لحوسبة النظام الصحى».

رائع.. أسمع قوانينك أصدقك.. أشوف التطبيق أستعجب..!

فاصل رابع
لا أطالب الرئيس بالتدخل.. لا أُحمِّل رئيس الوزراء ما لا طاقة له به.. لا أستغيث بوزير الصحة لإنقاذ مرضى «أبو بلاش».. فـ«الفقراء» هم المخطئون؛ لأنهم «يمرضون».. وحسبي الله ونعم الوكيل.
الجريدة الرسمية