رئيس التحرير
عصام كامل

الاتفاق الإيراني والانقلاب السياسي اللبناني


بينما ينشغل الناس في مصر بجلسات مجلس الشعب، يأتي تأثير دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ، ليؤدي إلى انقلاب في السياسة اللبنانية.. ففي خطوة مفاجئة حتى للبنانيين أنفسهم، عقد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، مؤتمرًا صحفيا، اتخذ طابع الاحتفال؛ حيث أعلن ترشيح ودعم حزب القوات اللبنانية للعماد ميشيل عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية.
 

ما حدث مساء الإثنين، شكل انقلابا في الموقف السياسي اللبناني، بكل ما لهذا التعبير من معانٍ؛ حيث لا يجرؤ الآخرون.. بهذه الكلمات عبر سمير جعجع – رئيس حزب القوات اللبنانية - عن مدى خطورة الخطوة التي اتخذها، فسمير جعجع، عضو تكتل 14 آذار المعارض لحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة وحزب التحرير والتيار الناصري، وغير ذلك من كتل أصغر تشكل القوام الرئيسي لتكتل 8 آذار الداعم للرئيس السوري بشار الأسد، فشل عبر عام أن يحصد ثلثي عدد أصوات مجلس النواب حتى يتم انتخابه كرئيس الجمهورية، وهو معارض دائم لحزب الله.

دعم سمير جعجع لميشيل عون، أعطى زخمًا جديدا لإمكانية انتخاب رئيس للبنان، ولا أحد يعرف حتى هذه اللحظة في لبنان إن كان ما فعله جعجع خطوة منفردة أم أنه تم بالاتفاق مع حليفيه الرئيسيين: تيار المستقبل وحزب الكتائب.

البعض يرى أن خطوة جعجع هي رد على تخلي سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل، عنه، بعدما خرجت مبادرة من تيار المستقبل قبل أكثر من شهر، تنادي بترشيح النائب سليمان فرنجيّة، رئيس تيار المردة وعضو تكتل 8 آذار لرئاسة الجمهورية، على أن يأتي سعد الحريري رئيسا للوزراء، وهي المبادرة التي تمت تسميتها بالـ(س – س) أو (سليمان – سعد).

وقتها أُسقط في يد سمير جعجع، الذي لم يكن يتخليل أن يتخلى سعد الحريري عن مرشح تكتل 14 آذار وحليفه.. الغريب وقتها أن الرفض جاء من معسكر 8 آذار الذي رفض المبادرة؛ حيث أعلن حزب الله تمسكه بميشيل عون كمرشحه لرئاسة الجمهورية.

أما أن سمير جعجع أرتدى الثوب الأبيض الذي جاء ليغسل آثار الدماء التي سالت على يديه أيام الحرب الأهلية وتورطه في اغتيال رشيد كرامي رئيس الوزراء الأسبق، واتهامه باغتيال طوني فرنجيّة والد سليمان فرنجيّة، فإن الخطوة جاءت لتعكس تغييرا في المواقف الداخلية عقب رفع العقوبات عن طهران.

سمير جعجع أو الملاك اللبناني الجديد الذي ظهر فجأة ليرفف على الحياة السياسية اللبنانية، ظهر كأنه زعيم المسيحيين في لبنان؛ حيث تم إخراج المشهد بحيث يظهر أن فوز عون بالرئاسة لم يكن ممكنا بدون انسحاب جعجع، وهي الرسالة التي تلقتها صحيفة السفير اللبنانية الموالية لتيار 8 آذار، التي قالت إن سمير جعجع ظهر كأنه الزعيم الحقيقي للمسيحيين في لبنان.

نعم، فلم يحدث لسمير جعجع أن حظى باهتمام إعلامي وسياسي كالذي حصل عليه منذ أيام، حتى عندما كان يترشح لرئاسة الجمهورية.. كان يمكن لسمير جعجع أن يعلن تخليه عن حلمه في منصب الرئيس، وكفى.. ولكنه لم يكتف بل رشح ألد معارضيه.. وهكذا ظهر جعجع كأنه الزعيم الذي ضحى من أجل مستقبل لبنان، وأنه الزعيم الذي يتنازل عن طموح شخصي وسياسي؛ من أجل دفع العربة السياسية اللبنانية التي صارت – وفق التعبير اللبناني - "بلا دواليب" تتحرك عليها، وهو الزعيم الذي رفض أن يجلس مع حزب الله على طاولة الحوار؛ لأنه لا يرى تغييرا في قضية سلاح حزب الله، ولكنه يرشح الآن مرشح حزب الله حتى يكون للبنان رئيسًا.

خطوة جعجع، جاءت لتحيّد مواقف آخرين.. فوليد جنبلاط - رئيس الحزب القومي الاشتراكي، والمعروف دائما برمانة الميزان التي بفضلها ينجح ترشيح أو يفشل - لم يعد له دور في معادلة الرئاسة، وعليه أن يوافق على خطوة جعجع أو يظهر كالمدمر للاتفاق المسيحي في لبنان.

موقف سمير جعجع، جاء ليعريّ مواقف آخرين، فنبيه بري – رئيس حركة أمل، وحليف حزب الله - لا يشرب، ولا يمضغ، وهو بالتالي لا يبلع ميشيل عون، وكان يؤيد ترشيح سليمان فرنجيّة، فهل يقبل الآن بما يرفضه؟

الإجابة التي يبدو أن نبيه مضطر إلى إعلانها، هي موافقته وتأييده لتنازل سمير جعجع.. فنبيه بري سياسي محنك، ويعرف أنه إن لم "يزغلط" باللبناني، أو "يزغرد" بالمصري لموقف جعجع، فإنه سيعطي فرصة لسعد الحريري لإحداث كسر في الجدار الشيعي، الذي يبدو دائما مستعصيًا على مجرد إحداث الشروخ به.

لكن ما هو الغريب في الموقف كله؟.. وما هو العجيب سياسيا؟.. العجيب سياسيا ليس داخليا لبنانيا فقط، ولكنه لبناني - عربي.. فالأمين العام لحزب الله – السيد حسن نصر الله – شن هجوما حادا على المملكة العربية السعودية عقب إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر، وهو ما أدى بسعد الحريري للرد عليه.. فكيف يوافق الحريري على أن يضع مرشح حزب الله على كرسي الرئاسة؟.. وكيف وافقت السعودية على ميشيل عون وهو الحليف الإستراتيجي لحزب الله، والداعم للرئيس السوري؟

التقارير الصحفية تقول إن سمير جعجع أوقع سعد الحريري في ورطة كبيرة، إن كان ذلك قد تم دون موافقة الحريري والسعودية.. فرفض سعد الحريري خطوة سمير جعجع ستجعل اللبنانيين يرون أن الحريري لا يعطي أهمية للاتفاق المسيحي في لبنان، الذي منوط به كرسي الرئاسة.. فالرئيس وفقا للدستور واتفاق الطائف، يجب أن يكون مسيحيًا مارونيًا.. الخطوة التي أحدثها سمير جعجع هزت فؤاد السنيورة، النائب عن تيار المستقبل، ورئيس كتلته النيابية تقريبًا؛ حيث قال إن اختيار الرئيس اللبناني ليس مسيحيًا فقط ولكنه لبناني.

كما أن اتخاذ سمير جعجع لموقف منفرد، دونما موافقة 14 آذار، وسعد الحريري شخصيًا، تعني فعليًا أن الحريري زعيم تكتل 14 آذار لا يسيطر على حلفائه، وتعني بشكل آخر، تضاؤل الدور السعودي في لبنان، وتنامي الدور الإيراني السوري.

صحيفة "النهار" المعروفة بانتمائها لتكتل 14 آذار، وصفت ما قام به سمير جعجع بالانقلاب في المعسكر المسيحي، وقالت إن وفدا من تيار المسقبل سافر للرياض للتباحث.. فما نشرته صحيفة "المستقبل" التي تصدر عن تيار المستقبل، جاء ليؤكد أن ما قام به سمير جعجع جاء دون موافقة سعد الحريري، وإن لم تعلن ذلك صراحة، فبدلًا من أن تؤيد الصحيفة الخطوة التي قام بها سمير جعجع، نشرت الصحيفة تصريحًا للنائب سليمان فرنجيّة، قائلًا إنه لن يتراجع عن الرئاسة.

لا أحد يعرف إن كان سليمان فرنجيّة قد قال ذلك، لكنه يعكس موقف الجريدة، ويوضح أن دعم سمير جعجع لميشيل عون لا يعني فوزه بالرئاسة، وأن هناك قوى أخرى قد تدعم سليمان فرنجيّة ومن بينها تيار المستقبل.

الواضح أن إعلان سمير جعجع أن مرشحه للرئاسة هو ميشيل عون، يشكل ضربة لسعد الحريري ولتكتل 14 آذار، هذا هو الظاهر حاليًا، لكنه قد يعطي في الوقت نفسه، فرصة لسعد الحريري للمناورة بترشيح سليمان فرنجيّة ودفع فرنجيّة للإصرار على الترشيح، ومحاولة الحصول على دعم حركة أمل لترشيح فرنجيّة في وجه عون.. فهل من الممكن أن يحدث هذا؟

من الناحية النظرية، يمكن أن يحدث ولا سيما إن كانت خطوة جعجع قد أغرت ميشيل عون لأن يرشح نفسه رسميا في مواجهة سليمان فرنجيّة في جلسة للبرلمان.. وربما يغوص سعد الحريري في سباته، فيحلم أنه يستطيع أن يجرد 8 آذار من سليمان فرنجيّة.

لكن الواقع يقول إن ميشيل عون سينتظر أن يعلن سليمان فرنجيّة انسحابه ودعمه لعون، وهو ما سيحدث غالبًا، فسليمان فرنجيّة ليس ورقة في يد 14 آذار كما يتخيلون، وهو إن كان يحلم بالرئاسة، فهو يعرف أنه ينتمي لفريق 8 آذار.

حاول سعد الحريري ضرب تحالف 8 آذار قبل شهرين، بمبادرة غير معلنة لترشيح سليمان فرنجيّة للرئاسة، وليس أمامه إلا أن يشحذ ما تبقى من حلفاء في دعم سليمان فرنجية، ليثبت لحليفه سمير جعجع الذي رد له القلم بقلمين، ولتكتل 8 آذار، أنه بدون موافقة الحريري ورضاه وبصمته لا يمكن أن يكون للبنان رئيس، فإذا حدث وأعلن سليمان فرنجّية رسميا دعمه لميشيل عون، فإنه لن يصيب الحريري فقط بخيبة الأمل لمحاولته ضرب تحالف 8 آذار، ولكنه سيكون رفضًا من جانب فرنجّية أن يكون ورقة التوت التي يغطي بها تكتل 14 آذار عوراته السياسية.

فهل ينسحب سليمان فرنجيّة ويقضي على سعد الحريري سياسيًا؟، أم سيعطي للحريري قبلة الحياة، ويثأر لنفسه ولوالده الذي اغتالته القوات اللبنانية وحوكم على أساسها سمير جعجع؟

هذا ما ستُفسر عنه الأيام.. ما يحدث أشبه بالفيلم السينمائي، وأيام الفرجة ليست بغريبة على الشعب اللبناني، الذي تعود أن يتفرج دونما أن يشارك في اختيار رئيسه.
الجريدة الرسمية