رئيس التحرير
عصام كامل

مجلس التعاون الإستراتيجي بين الرياض وأنقرة


قبل حدوث ما يطلق عليه ثورات الربيع العربي، كان من رأيي - ورأي كثيرين غيري - أن كل الملفات العالقة في منطقتنا العربية، ممثلة بالقضية الفلسطينية، والمشكلة العراقية، والمشكلة الحدودية بين إيران والإمارات العربية، والقلاقل التي تثيرها إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي من حين لآخر.. إلخ، يمكن حلها أو التقليل من تأثيراتها السلبية على المنطقة، من خلال تضافر جهود مثلثين رئيسيين، أحدهما القاهرة - السعودية - سوريا، وثانيهما: القاهرة - إيران - تركيا. 


لقد عانت المنطقة لفترات طويلة من فراغ سياسي كبير، ولم يكن يملؤه سوى الولايات المتحدة التي عبثت فيه كيفما تشاء، لصالح المشروع الأمريكي / الصهيوني الذي كان - ولا يزال - يستهدف إحكام السيطرة على منطقتنا واستغلال ثرواتها ومواردها.. ولما كان ذلك يستلزم أن تظل المنطقة ضعيفة وهشة ومشرذمة، فقد عملت الإدارة الأمريكية (وتابعوها) على استمرار إشعال المشكلات الحدودية، وإيقاظ الفتن المذهبية، وإثارة النعرات الطائفية والعرقية. 

بعد ثورات الربيع العربي اندلعت حروب، وحل خراب ودمار، وسقط مئات الألوف من الضحايا، ونزح الملايين من بلدانهم إلى بلاد أخرى، ولا تزال الكوارث والمآسي قائمة حتى يومنا هذا.. نحن الآن أمام أزمات شديدة وطاحنة في سوريا وليبيا واليمن، وهذه تلقي بظلالها الكئيبة على المنطقة برمتها.

ومع هذا الخراب والدمار، جاء "داعش" ليصب مزيدا من الزيت على النار، ليزيدها اشتعالا ولهيبا، وليقوم بأعمال عنف وإرهاب تجاوزت حدود الدول العربية إلى أوربا.. لقد تغير كل شيء.. فلم تعد سوريا اليوم كما كانت بالأمس.. ولا يمن اليوم هو يمن الأمس.. ولا حتى تركيا اليوم كما كانت بالأمس.. فدورها بالنسبة للإرهاب حوله علامات استفهام كثيرة.. ومنذ أيام قليلة احتلت قواتها جزءا من الأراضي العراقية، وساق رئيس وزراء تركيا في ذلك حجة مضحكة ومدعاة للسخرية، وهي أن ما يقرب من ثلث العراق محتل من قبل "داعش"!!

إن الأزمة السورية أصبحت تمثل بؤرة صراع ومواجهات بين الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي وتركيا والسعودية من ناحية، وروسيا والصين وإيران ومصر من ناحية أخرى.. لقد دخلت روسيا إلى بؤرة الصراع بكل ثقلها، وأصبح لها منظمة صواريخ داخل الأراضي السورية، بما يعني أن الإدارة الأمريكية لم تعد هي اللاعب الوحيد في المنطقة.

في الأسابيع الماضية، زار أردوغان المملكة العربية السعودية وعقد عدة اجتماعات مع الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين.. وقد تمخضت هذه الاجتماعات عن إعلان "مجلس تعاون إستراتيجي بين الرياض وأنقرة"، ربما للتنسيق بشأن التعامل مع الأزمة السورية، فهناك اتفاق في الرؤى بين الدولتين حول وضع النظام السوري وبشار الأسد، وربما يمتد التنسيق ليشمل التعاون إزاء التحديات التي تواجهها المملكة السعودية ومنطقة الخليج، المتمثلة في أطماع إيران وسياساتها وتحركاتها في المنطقة، على اعتبار أن الأخيرة تسعى لملء الفراغ بديلا عن الإدارة الأمريكية، وهي من ثم تريد السيطرة على الخليج العربي، وخليج عدن، وباب المندب، وبالتالي التحكم في المنافذ المائية العالمية، إضافة إلى وجودها في العراق وسوريا ولبنان، علاوة على الشغب والقلاقل التي تثيرها في دول مجلس التعاون الخليجي.

ولا شك أن مجلس التعاون الإستراتيجي يلقى دعما وتأييدا من الإدارة الأمريكية، التي تريد أن تحد من تأثير روسيا وإيران في المنطقة.. وبغض النظر عن سوء العلاقة بين مصر وتركيا، خاصة بعد ثورة ٣٠ يونيو والإطاحة بحكم الإخوان، إلا أن هذا المجلس - في تصوري - لن يؤثر بالسلب على العلاقة بين مصر والمملكة السعودية، التي يجب أن تكون بمنأى عن أي تذبذب أو اهتزاز، فالقضايا التي تربطهما والمصالح المشتركة بينهما تمثل أحد المعالم الرئيسية في الأمن القومي العربي.

وكما هو واضح، فإن المملكة السعودية تسعى دائما لإزالة أي مخاوف بشأن العلاقة مع مصر.. ولعل الإعلان عن توقيع ١٢ اتفاقية استثمارية بين القاهرة والرياض في ٥ يناير، يؤكد هذ الاتجاه. 

وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية المصري، أن وساطة ما يمكن أن تقوم بها المملكة السعودية بين مصر وتركيا بهدف تقليل التوتر بين البلدين، إلا أن ذلك لو حدث فلا يعتبر مخلا بمكانة مصر، فالسياسة - كما يقال - مصالح، والمصالح تتصالح، فضلا عن أنها عبارة عن مساحات رمادية متداخلة ومتشابكة، يصعب الفصل بينها.. ثم إن مصر يجب ألا تنعزل عن أي حدث، فهي ما تزال - رغم موجة الإرهاب العاتية التي مرت بها - هي العمود الفقري للدول العربية، ولديها إمكانية القيام بدور مؤثر وفاعل على المستويين الإقليمي والدولي.
الجريدة الرسمية